(34) من غير مرجح وهو غير ممتنع بل الرجحان من غير مرجح أى الوجود من غير موجد ثم رده بإثبات استحالة التخلف وهكذا وقع القيل والقال ولم تنكشف حقيقة الحال وأجاب المصنف في الحاشية أن هذا غير تام على رأى الأشعرى فإنه يكتفى بوجود قدرة متوهمة في توجه التكليف هذا وأنت تعلم أنه يكفى في توجه التكليف الشرعى عنده لا الحسن العقلى بل الاجماع وقع على أن الاضطرارى لا يوصف بالحسن والقبح العقليين وتحقيق المقام على ما استفاده هذا العبد من إشارات الكرام وتقرر عليه رأيه في تحقيق المرام أن عند إرادة العبد تتحقق الدواعى إلى الفعل من التخييل الجزئى والشوق إليه فيصرف العبد اختياره المعطى من الله سبحانه فيستعد بذلك للاتصاف بذلك الفعل إذ ليس الشأن الإلهى أن يترك المادة المستعدة الطالبة بلسان الاستعداد عارية عنه بإمساك الفيض عنه لكونه جوادا بل أجرى عادته بإعطاء ما يصلح المادة صلوحا كاملا فالله تعالى يخلق الفعل في المريد بجرى العادة فيتصف به وقلما يتخلف عند سد نبى أو ولى ويسمى خرق العادة هذا بحسب الجلى من النظر والدقيق من النظر يحكم بأن هذا السد وأمثاله من موانع وجود الفعل وعند ارتفاعه يجب الفعل هذا كله على رأى أهل الحق من أهل السنة الباذلين جهدهم في قمع البدعة كثرهم الله تعالى وأما عند المعتزلة فبعد تمام هذا الاستعداد والصلوح يخلق العبد الفعل فيجب بخلقه فيتصف به العبد اتصافا واجبا بخلقه فليس الاختيار في العبد إلا صرف القدرة والإرادة إلى الفعل سواء وجد بهذا الصرف كما هو عند المعتزلة أولا كما عندنا وهذا لا ينافى الوجوب وأما فعل الله تعالى فتحقيقه أنه تعلق علمه الأزلى بالعالم على ما كان صالحا للوجود على النظم إلا تم فتعلق إرادته في الأزل بأن يوجد على هذا النمط إذ لم يكن نظم صالح للوجود أولى من هذا النظم فيوجد العالم بهذا التعلق ويجب على اقتضائه مثلا تعلق إرادته بأن يتكون آدم في الوقت الفلانى ونوح في وقت بينهما ألف سنة فوجد أو وجبا بهذا النمط وهذا التعلق هو الخلق بالاختيار وأما القدرة بمعنى أن يصح الفعل والترك الذى نسب إلى أهل الكلام فإن أريد به أن نسبه الفعل والترك متساوية إلى الإرادة واتفق أيهما وجد فهو باطل لأنه لو كانت النسبة واحدة فتحقق الفعل دون الترك ترجيح من غير مرجح بل وجود من غير موجد اذ لا موجد هناك يجئ الترجيح منه وأن أريد منه أنه يصح الفعل والترك بالنظر إلى نفس القدرة وأن وجب أحدهما نظرا إلى الحكمة فإن الحكيم لا يمكن أن
Page 52