(32) بأنه يلزم عليهم أن يكون صدقه حسنا شرعيا وقبيحا شرعيا وهما ضدان فأين المفر لأن لهم أن يقولوا يجوز أن يبطل أحدهما فإنه يجعل الشارع بخلاف المعتزلة فإنهم يقولون أنهما لذات الفعل فتأمل فيه (وربما يمنع ذلك) أى كون حكم الملزوم حكم اللازم بعينه بالذات (ألا ترى أن المفضى إلى الشر لا يكون شرا بالذات) كيف ومجئ الرسول موجب لهلاك الناس الكثير مع أنه خير كثير أعظم (قال الشيخ) أبو على (في الإشارات الشر داخل في القدر بالعرض) فإن التقدير الإلهى إنما تعلق أولا وبالذات بالخير لكنه قد كان متوقفا على وجود الشر القليل وليس من شأن الحكيم أن يترك الخير الكثير لأجل الشر القليل فلذا قدر الشر وأوجده هذا ثم لا يخفى على المتأدب بالآداب الشرعية أن الصواب ترك التأييد بكلام ابن سينا فإنه ليس من رجال هذا المقال (أقول هذا) الجواب (يرشدك إلى الالتزام المذكور سابقا) من أنهما كما يكونان بالذات يكونان بالغير فإن حسن الملزوم وإن لم يكن مستلزما لحكم اللازم بالذات لكنه مستلزم له بالعرض البتة وكذا قبحه يستلزم قبحه بالعرض (فافهم) فإنه لا سترة فيه وقد يقال في تقرير الدليل أن صدق لأكذبن غدا هو نفس تحقق مصداقة الذى هو الكذب في الغد وهو قبيح بالذات عندهم فالصدق قبيح مع كونه حسنا فحينئذ لا يتوجه هذا الجواب أصلا وفيه أنا لا نسلم أن الصدق نفس تحقيق المصداق بل المطابقة للمصداق الواقعى فواقعية المصداق لازمة له لا أنه هى ولو سلم فلأكذبن الغد اعتباران اعتبار أنه تحقق مصداق الخبر واعتبار أن مصداقة غير متحقق فلنا أن نقول أنه بالاعتبار الأول حسن بالذات وبالاعتبار الثاني قبيح فلا ضير وهذا عندنا ظاهر وأما عندهم فللتأمل فيه مجال لعدم قولهم باجتماع الوجوب والحرمة في شئ ولو باعتبارين (و) قالوا (ثالثا أن فعل العبد اضطرارى فإن الفعل ممكن) والممكن (ما لم يترجح) وجوده على عدمه (لا يوجد) فحين الوجود يكون الوجود راجحا والعدم مرجوحا (وترجح المرجوح محال فما لم يجب لم يوجد) فالعدم حال ترجيح الوجود محال فوجود الفعل واجب فلا اختيار للعبد فيه أصلا فهو اضطرارى (فلا يكون حسنا ولا قبيحا) أصلا (عقلا إجماعا) لأن الاضطرارى لا يوصف بهما وهذا التبيان غير متوقف على إبطال الأولوية الغير البالغة حد الوجوب بخلاف ما في المختصر حيث قال استدل أن فعل العبد غير مختار فلا يكون حسنا ولا قبيحا لذاته إجماعا لأنه أن كان لازما فواضح وإن كان جائزا فإن افتقر إلى
Page 48