مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
ــ
الحمد لله الفتاح الجواد المعين على التفقه في الدين من اختاره من العباد وأشهد أن لا إله الله شهادة تدخلنا دار الخلود وأشهد أن سيدنا محمدا ورسوله صاحب المقام المحموم صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأمجاد صلاة وسلاما أفوز بهما يوم المعاد.
وبعد فهذا شرح مفيد على كتاب المسمى بقرة العين بمهمات الدين يبين المراد ويتمم المفاد ويحصل المقاصد ويبرز الفوائد وسميته: بفتح بشرح قرة العين بمهمات الدين وأنا أسأل الله الكريم المنان أن يعم الانتفاع به للخاصة والعامة من الإخوان وأن يسكنني به الفردوس في دار الإمامان إنه أكرم كريم وأرحم رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
أي: أولف: والاسم مشتق من السمو وهو العلو لا من الوسم وهو العلامة.
1 / 31
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله.
ــ
والله: علم للذات الواجب الوجود وهو اسم جنس لكل معبود ثم عرف بأل وحذفت الهمزة ثم استعمل في المعبود بحق وهو الاسم الأعظم عند الأكثر ولم يسم به غيره ولو تعنتا.
والرحمن الرحيم صفتان بنيتا للمبالغة من رحم والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ولقولهم: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة:
الحمد الله الذي هدانا أي دلنا لهذا التأليف وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله إليه.
والحمد هو الوصف بالجميل.
والصلاة وهي من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم.
والسلام أي التسليم من كل آفة ونقض على سيدنا محمد رسول الله لكافة الثقلين الجن والإنس
إجماعا وكذا الملائكة على ما قاله جمع محققون١.
ومحمد علم منقول من اسم المفعول المضعف موضوع لمن كثرت خصاله الحميدة سمى به نبينا صلى الله عليه واله وسلم بإلهام من الله لجده.
_________
١ منهم ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج ١/١٢٥ والخطيب في مغني المحتاج ١/١٥ وخالف ذلك الرملي في نهاية المحتاج ١/٢٩.
1 / 32
وعلى آله
ــ
والرسول من البشر ذكر حر أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع ﵇ فإن لم يؤمر بالتبليغ فنبي.
والرسول أفضل من النبي إجماعا وصح خبر أن عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وأن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر١.
وعلى آله أي أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب وقيل:
_________
١ الصحيح عدم حصرهم في عدد لكن يجب الإيمان بهم إجمالا في من لم يرد فيه تفصيل وتفصيلا في من ورد فيه التفصيل والوارد فيه التفصيل خمسة وعشرون ثمانية عشر ذكروا في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنعام الآيات: ٨٣- ٩٠.ويبقى سبعة أسماء مذكورة في أماكن أخرى من القرآن وهي: آدم وإدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل ومحمد صلى الله عليهم أجمعين.
وأخرج وكيع عن الضحاك قال: علموا نساءكم وأولادكم وخدمكم أسماء الأنبياء المسلمين في الكتاب ليؤمنوا بهم فإن الله أمر بذلك فقال: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ سورة البقرة الآية: ١٣٦.
1 / 33
وصحبه الفائزين برضا الله.
وبعد فهذا مختصر في الفقه على مذهب الغمام الشافعي رحمه الله تعالى.
ــ
هم كل مؤمن أي في مقام الدعاء ونحو واختير لخبر ضعيف فيه وجزم به النووي في شرح
مسلم.
وصحبه وهو اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع مؤمنات بنبينا صلى الله عليه واله وسلم ولو أعمى وغير مميز.
الفائزين برضا الله تعالى صفة لمن ذكر.
وبعد أي بعدما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة والسلام على من ذكر.
فهذا المؤلف الحاضر ذهنا مختصر قل لفظه وكثر معناه من الاختصار.
في الفقه هو لغة: الفهم. واصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
واستمداده من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وفائدته: امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.
على مذهب الإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه أي ما ذهب إليه من الأحكام في المسائل.
إدريس والده هو ابن عباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن
1 / 34
وسميته بـ قرة العين بمهمات الدين راجيا من الرحمن أن ينتفع به الأذكياء وأن تقربه عيني غدا بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا.
ــ
عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف.
وشافع وهو الذي ينسب إليه الإمام وأسلم هو وأبوه السائب يوم بدر.
وولد إمامنا ﵁ سنة خمسين ومائة وتوفي يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
وسميته بـ قرة العين ببيان مهمات أحكام الدين انتخبته وهذا الشرح من الكتب المعتمدة لشيخنا خاتمة المحققين شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي وبقية المجتهدين مثل وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد الزبيدي ﵄ وشيخي مشايخنا: شيخ الإسلام المجدد زكريا الأنصاري الإمام الأمجد أحمد المزجد الزبيدي رحمهما الله تعالى وغير هم من محققي المتأخرين معتمدا على ما جزم به شيخا المذهب: النووي والرافعي فالنووي فمحققو المتأخرين ﵃.
راجيا من ربنا الرحمن أن ينتفع به الأذكياء أي العلاء وأن تقر به بسببه عيني غدا أي اليوم الآخر بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا آمين.
* * *
1 / 35
باب الصلاة
مدخل
...
باب الصلاة
إنما تجب المكتوبة على مسلم مكلف طاهر ويقتل إن أخرجها عن وقت جمع إن لم يتب،
ــ
باب الصلاة
هي شرعا: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وسميت بذلك لاشتمالها على الصلاة لغة وهي الدعاء.
والمفروضات العينية خمس في كل يوم وليلة معلومة من الدين بالضرورة فيكفر جاحدها ولم تجتمع هذه الخمس لغير نبينا محمد ص وفرضت ليلة الإسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب ولم تجب صبح يوم تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها.
إنما تجب المكتوبة أي الصلوات الخمس على كل مسلم مكلف أي بالغ عاقل ذكر أو غيره طاهر فلا تجب على كافر أصلي وصبي ومجنون ومغمى عليه وسكران بلا تعد لعدم تكليفهم ولا على حائض ونفساء لعدم صحتها منهما ولا قضاء عليهما بل تجب على مرتد ومتعد بسكر.
ويقتل أي المسلم المكلف الطاهر حدا بضرب عنقه إن أخرجها أي المكتوبة عامدا عن وقت جمع لها إن كان كسلا مع اعتقاد وجوبها إن لم يتب بعد الاستتابة وعلى ندب الاستتابة
1 / 36
ويبادر بفائت ويسن ترتيبه وتقديمه على حاضره،
ــ
لا يضمن من قتله قبل التوبة لكنه يأثم ويقتل كفرا إن تركها جاحدا وجوبها فلا يغسل ولا يصلى عليه.
ويبادر من مر بفائت١ وجوبا إن فات بلا عذر فيلزمه القضاء فورا. قال شيخنا أحمد بن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أنه يلزمه صرف جميع زمنه للقضاء ما عدا ما يحتاج لصرفه فيما لا بد منه وأنه يحرم عليه التطوع. انتهى.
ويبادر به ندبا إن فات بعذر كنوم لم يتعد به ونسيان كذلك.
ويسن ترتيبه أي الفائت فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا.
وتقديمه على حاضرة لا يخاف فوتها إن فات بعذر وإن خشي فوت جماعتها على المعتمد.
وإذا فات بلا عذر فيجب تقديمه عليها أما إذا خاف فوت الحاضرة بأن يقع بعضها وإن قل خارج الوقت فيلزمه البدء بها ويجب تقديم ما فات بغير عذر على ما فات بعذر وإن فقد الترتيب لأنه سنة والبدار واجب.
ويندب تأخير الرواتب عن الفوائت بعذر ويجب تأخيرها عن الفوائت بغير عذر.
تنبيه من مات وعليه صلاة فرض لم تقض ولم تفد عنه وفي
_________
١ في نسخ: لفائت.
1 / 37
ويؤمر مميز بها لسبع ويضرب عليها لعشر كصوم أطاقه،
ــ
قول أنها تفعل عنه أوصى بها أم لا ما حكاه العبادي عن الشافعي لخبر فيه [راجع البخاري رقم: ١٩٥٢، مسلم رقم: ١١٤٧، أبو داود رقم: ٢٤٠٠، ٣٣١١، مسند أحمد رقم: ٢٣٨٨٠،] وفعل به السبكي عن بعض أقاربه [راجع الفائدة في باب الصوم صفحة ٢٧٢، وراجع صفحة: ٤٣٣] .
ويؤمر ذو صبا ذكر أو أنثى مميز بأن صار يأكل ويشرب ويستنجي وحده أي يجب على كل من أبويه وإن علا ثم الوصي. وعلى مالك الرقيق أن يأمر بها أي الصلاة ولو قضاء وبجميع شروطها لسبع أي بعد سبع من السنين أي عند تمامها وإن ميز قبلها. وينبغي مع صيغة الأمر التهديد ويضرب ضربا غير مبرح وجوبا ممن ذكر عليها أي على تركها ولو قضاء أو ترك شرط من شروطها لعشر أي بعد استكمالها للحديث الصحيح: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها [رواه الترمذي رقم: ٤٠٧، وأبو داود رقم: ٤٩٤، والدارمي رقم: ١٤٣١، والحاكم في المستدرك رقم: ٩٤٨، ١/٣٨٩]، كصوم أطاقه فإنه يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر كالصلاة.
وحكمة ذلك التمرين على العبادة ليتعودها فلا يتركها.
وبحث الأذرعي في قن صغير كافر نطق بالشهادتين أنه يؤمر ندبا بالصلاة والصوم يحث عليهما من غير ضرب ليألف الخير بعد بلوغه
1 / 38
وأول واجب على الآباء تعليمه أن نبينا محمدا ﷺ بعث بمكة ودفن بالمدينة.
ــ
وإن أبى القياس ذلك. انتهى.
ويجب أيضا على من مر نهيه عن المحرمات وتعليمه الواجبات ونحوها من سائر الشرائع الظاهرة ولو سنة كسواك وأمره بذلك ولا ينتهي وجوب ما مر على من مر إلا ببلوغه رشيدا وأجرة تعليمه ذلك كالقرآن والآداب في ماله ثم على أبيه ثم على أمه.
تنبيه ذكر السمعاني في زوجة صغيرة ذات أبوين أن وجوب ما مر عليهما فالزوج وقضيته وجوب ضربها.
وبه ولو في الكبيرة صرح جمال الإسلام ابن البزري١ قال شيخنا: وهو ظاهر إن لم يخش نشوزا وأطلق الزركشي الندب.
وأول واجب حتى على الأمر بالصلاة كما قالوا على الآباء ثم على مر من تعليمه أي المميز أن نبينا محمدا ص بعث بمكة وولد بها ودفن بالمدينة ومات بها.
_________
١ كذا ضبطه الشيخ السيد البكري ﵀ وضبطه ابن الصلاح ﵀ بفتح الباء.
1 / 39
فصل في شروط الصلاة
شروط الصلاة خمسة:
أحدها: طهارة عن حدث وجنابة.
فالأولى: الوضوء.
وشروطه كشروط الغسل ١- ماء مطلق
ــ
فصل في شروط الصلاة.
الشرط ما يتوقف عليه صحة الصلاة وليس منها وقدمت الشروط على الأركان لأنها أولى بالتقديم إذ الشرط ما يجب تقديمه على الصلاة واستمراره فيها.
شروط الصلاة خمسة:
أحدها: طهارة عن حدث وجنابة الطهارة: لغة النظافة والخلوص من الدنس وشرعا: رفع المنع المترتب على الحدث أو النجس.
فالأولى: أي الطهارة عن الحدث: الوضوء هو بضم الواو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية.
وبفتحها: ما يتوضأ به وكان ابتداء وجوبه مع ابتداء وجو ب المكتوبة ليلة الإسراء.
وشروطه أي الوضوء كشروط الغسل خمسة:
١- أحدها: ماء مطلق فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس ولا يحصل
1 / 40
غير مستعمل في رفع حدث ونجس قليلا،
ــ
سائر الطهارة ولو مسنونة إلا الماء المطلق وهو ما يقع عليه اسم الماء بلا قيد.
وإن رشح من بخار الماء الطهور المغلي أو استهلك فيه الخليط أو قيد بموافقة الواقع كماء البحر.
بخلاف ما لا يذكر إلا مقيدا كماء الورد.
غير مستعمل في فرض طهارة من رفع حدث أصغر أو أكبر ولو من طهر حنفي لم ينو أو صبي لم يميز لطواف وإزالة نجس ولو معفوا عنه.
قليلا أي حال كون المستعمل قليلا أي دون القلتين فإن جمع المستعمل فبلغ قلتين فمطهر كما لو جمع المتنجس فبلغ قلتين ولم يتغير وإن قل بعد بتفريقه.
فعلم أن الاستعمال لا يثبت إلا مع قلة الماء أي وبعد فصله عن المحل المستعمل ولو حكما كأن جاوز منكب المتوضئ أو ركبته وإن عاد لمحله أو انتقل من يد لأخرى.
نعم لا يضر في المحدث انفصال الماء من الكف إلى الساعد ولا في الجنب انفصاله من الرأس إلى نحو الصدر مما يغلب فيه التقاذف.
* * *
1 / 41
ومتغير كثيرا بخليط طاهر غني عنه
ــ
فرع لو أدخل المتوضئ يده١ بقصد الغسل عن الحدث أولا بقصد بعد نية الجنب أو تثليث وجه المحدث أو بعد الغسلة الأولى إن قصد الاقتصار عليها بلا نية اغتراف ولا قصد أخذ الماء لغرض آخر صار مستعملا بالنسبة لغير يده فله أن يغسل بما فيها باقي ساعدها.
وغير متغير تغيرا كثيرا بحيث يمنع إطلاق اسم الماء عليه بأن تغير أحد صفاته من طعم أو لون أو ريح ولو تقديريا أو كان التغير بما على عضو المتطهر في الأصح وإنما يؤثر التغير إن كان بخليط أي مخالطا
للماء وهو ما لا يتميز في رأي العين طاهر وقد غني الماء عنه كزعفران وثمر شجر نبت قرب الماء وورق طرح ثم تفتت لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه.
ولا يضر تغير لا يمنع الاسم لقلته ولو احتمالا بأن شك أهو كثير أو قليل.
وخرج بقولي بخليط المجاور وهو ما يتميز للناظر كعود ودهن ولو مطيبين ومنه البخور وإن كثر وظهر نحو ريحه
_________
١ قال الشيخ علوي السقاف ﵀: قوله: لو أدخل يده أي: المتطهر المفهوم من المقام. وفي بعض النسخ: لو أدخل المتوضئ يده وهي لا تلاقي قوله: بعد نية الجنب.
1 / 42
خلافا لجمع ومنه أيضا ماء أغلي فيه نحو بر وتمر حيث لم يعلم أو بنجس ولو كان كثيرا،
ــ
انفصال عين فيه مخالطة بأن لم يصل إلى حد بحيث له اسم آخر كالمرقة ولو شك في شيء أمخالط هو أم مجاور له حكم المجاور.
وبقولي غني عنه ما لا يستغنى عنه كما في مقرة وممره من نحو طين وطحلب متفتت وكبريت وكالتغير بطول المكث أو بأوراق متناثرة بنفسها وإن تفتتت وبعدت الشجرة عن الماء.
أو بنجس وأن قل التغير ولو كان الماء كثيرا أي قلتين أو أكثر في صورتي التغيير بالطاهر والنجس.
والقلتان بالوزن: خمسمائة رطل بغدادي تقريبا وبالمساحة في المربع: ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا بذراع اليد المعتدلة وفي المدور: ذراع من سائر الجوانب بذراع الآدمي وذراعان عمقا بذراع النجار وهو ذراع وربع١.
ولا تنجس قلتا ماء ولو احتمالا كأن شك في ماء أبلغهما أم لا وإن تيقنت قلته قبل بملاقاة نجس ما لم يتغير به وإن استهلكت النجاسة فيه ولا يجب التباعد من نجس في ماء كثير ولو بال في البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهي نجسة إن تحقق أنها من عين النجاسة أو من المتغير أحد أوصافه بها وإلا فلا ولو طرحت فيه بعرة فوقعت من أجل الطرح قطرة على شيء لم تنجسه.
_________
١ تقدر القلتان بحجم مكعب طول ضلعه ٦٠ سم ويعادل ذلك ٢١٦ لترا تقريبا.
1 / 43
٢- وجري ماء على عضو ٣- وأن لا يكون عليه مغير للماء تغيرا
ــ
وينجس قليل الماء وهو ما دون القلتين حيث لم يكن واردا بوصول نجس إليه يرى بالبصر المعتدل غير معفو عنه في الماء ولو معفوا عنه في الصلاة كغيره من رطب ومائع وإن كثر لا بوصول ميتة لا دم لجنسها سائل عند شق عضو منها كعقرب ووزع إلا إن تغير ما أصابته ولو يسيرا فحينئذ ينجس لا سرطان وضفدع فينجس بهما خلافا لجمع ولا بميتة كان نشؤها من الماء كالعلق ولو طرح فيه ميتة من ذلك نجس وإن كان الطارح غير مكلف ولا أثر لطرح الحي مطلقا.
واختار كثيرون من أئمتنا مذهب مالك: أن الماء لا ينجس مطلقا إلا بالتغير والجاري كراكد.
وفي القديم: لا ينجس قليله بلا تغير وهو مذهب مالك.
قال في المجموع: سواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة.
والماء القليل إذا تنجس يطهر ببلوغه قلتين ولو بماء متنجس حيث لا تغير به والكثير يطهر بزوال تغيره بنفسه أو بماء زيد عليه أو نقص عنه وكان الباقي كثيرا.
٢- وثانيها: جري ماء على عضو مغسول فلا يكفي أن يمسه الماء بلا جريان لأنه لا يسمى غسلا.
٣- وثالثها: أن لا يكون عليه أي على العضو مغير للماء تغيرا
1 / 44
ضارا ٤- وحائل كنورة ٥- ودخول وقت لدائم حدث.
ــ
ضارا كزعفران وصندل خلافا لجمع.
٤- ورابعها: أن لا يكون على العضو حائل بين الماء والمغسول كنورة وشمع ودهن جامد وعين حبر وحناء بخلاف دهن جار أي مائع وإن لم يثبت الماء عليه وأثر حبر وحناء.
وكذا يشترط على ما جزم به كثيرون أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته خلافا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين وأشار الأذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم وقد صرح في التتمة وغيرها بما في الروضة وغيرها من عدم
المسامحة بشيء مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد وجزم به في الأنوار.
٥- وخامسها: دخول وقت لدائم حدث كسلس ومستحاضة.
ويشترط له أيضا ظن دخوله فلا يتوضأ كالمتيمم لفرض أو نفل مؤقت قبل وقت فعله ولصلاة جنازة قبل الغسل وتحية قبل دخول المسجد وللرواتب المتأخرة قبل فعل الفرض ولزم وضوءان أو تيممان١ على خطيب دائم الحدث أحدهما: للخطبتين والآخر بعدهما
_________
١ قال الشيخ علوي السقاف ﵀: في بعض النسخ بعده: أو يتممان ويتعين سقوطه لأمرين: الأول: إن التيممين يلزمان دائم الحدث والسليم والثاني: أنها لا تلاقي بعد ويكفي واحد لهما لغيره انتهى.
1 / 45
وفروضه: ١- نية فرض وضوء عند غسل وجه،
ــ
لصلاة جمعة ويكفي واحد لهما لغيره ويجب عليه الوضوء لكل فرض كالتيمم وكذا غسل الفرج وإبدال القطنة التي بفمه والعصابة وإن لم تزل عن موضعها.
وعلى نحو سلس مبادرة بالصلاة فلو أخر لمصلحتها كانتظار جماعة أو جمعة وإن أخرت عن أول الوقت وكذهاب إلى مسجد لم يضره.
وفروضه ستة:
١- أحدها: نية وضوء أو أداء فرض وضوء أو رفع حدث لغير دائم حدث حتى في الوضوء المجدد أو الطهارة عنه أو الطهارة لنحو الصلاة مما لا يباح إلا بالوضوء أو استباحة مفتقر إلى وضوء كالصلاة ومس المصحف ولا تكفي نية استباحة ما يندب له الوضوء كقراءة القرآن أو الحديث وكدخول مسجد وزيارة قبر.
والأصل في وجوب النية خبر: "إنما الأعمال بالنيات" [البخاري رقم: ١، مسلم رقم: ١٩٠٧] أي إنما صحتها لإكمالها.
ويجب قرنها عند أول غسل جزء من وجه فلو قرنها بأثنائه كفى ووجب إعادة غسل ما سبقها.
ولا يكفي قرنها بما قبله حيث لم يستصحبها إلى غسل شيء منه وما قارنها هو أوله فتفوت سنة المضمضة إن انغسل معها شيء من الوجه كحمرة الشفة بعد النية.
1 / 46
٢- وغسل وجهه وهو ما بين منابت رأسه ومنتهى لحييه وما بين أذنيه،
ــ
فالأولى أن يفرق النية بأن ينوي عند كل من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق سنة الوضوء ثم فرض الوضوء عند غسل الوجه حتى لا تفوت فضيلة استصحاب النية من أوله وفضيلة المضمضة والاستنشاق مع انغسال حمرة الشفة.
٢- وثانيها: غسل ظاهر وجهه لآية: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [٥ سورة المائدة: ٦] وهو طولا ما بين منابت شعر رأسه غالبا وتحت منتهى لحييه بفتح اللام فهو من الوجه دون ما تحته والشعر النابت على ما تحته وعرضا ما بين أذنيه.
ويجب غسل شعر الوجه من هدب وحاجب وشارب وعنفقة ولحية وهي ما نبت على الذقن وهو مجتمع اللحيين وعذار هو ما نبت على العظم المحاذي للأذن وعارض وهو ما انحط عنه إلى اللحية.
ومن الوجه حمرة الشفتين وموضع الغمم وهو ما نبت عليه الشعر من الجبهة دون محل التحذيف على الأصح وهو ما نبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة ودون وتد الأذن والنزعتين وهما بياضان يكتنفان الناصية وموضع الصلع وهو ما بينهما إذا انحسر عنه الشعر.
1 / 47
٣- وغسل يديه بكل مرفق ٤- ومسح بعض رأسه،
ــ
ويسن غسل كل ما قيل إنه ليس من الوجه١.
ويجب غسل ظاهر وباطن كل من الشعور السابقة وإن كثف لندرة الكثافة فيها لا باطن كثيف لحية وعارض.
والكثيف ما لم تر البشرة من خلاله في مجلس التخاطب عرفا ويجب غسل ما لا يتحقق غسل جميعه إلا بغسله لان ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
٣- وثالثها: غسل يديه من كفيه وذراعيه بكل مرفق للآية [٥ سورة المائدة: الآية ٦] ويجب غسل جميع ما في محل الفرض من شعر وظفر وإن طال.
فرع لو نسي لمعة فانغسلت في تثليث أو إعادة وضوء لنسيان له لا تجديد واحتياط أجزأه.
٤- ورابعها: مسح بعض رأسه كالنزعة والبياض الذي وراء الأذن بشر أو شعر في حده ولو بعض شعرة واحدة للآية [٥ سورة المائدة: الآية: ٦] .
_________
١ قال الشيخ علوي السقاف ﵀: كذا فيما رأيناه من نسخ الخط والطبع وصوابه إسقاط ليس كما في التحفة وغيرها وعبارتها: ويسن غسل كل ما قيل أنه من الوجه كالصلع والنزعتين والتحذيف زاد في المغني والنهاية والصدغين انتهى.
1 / 48
٥- وغسل رجليه بكل كعب،
ــ
قال البغوي: ينبغي أن لا يجزئ أقل من قدر الناصية وهي ما بين النزعتين لأنه ص لم يمسح أقل منها وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى والمشهور عنه وجوب مسح الربع.
٥- وخامسها: غسل رجليه بكل كعب من كل رجل للآية [٥ سورة المائدة: الآية: ٦]
أو مسح خفيهما بشروطه ويجب غسل باطن ثقب وشق.
فرع لو دخلت شوكة في رجله وظهر بعضها وجب قلعها وغسل محلها لأنه صار في حكم الطاهر فإن استترت كلها صارت في حكم الباطن فيصح وضوؤه ولو تنفط في رجل أو غيره لم يجب غسل باطنه ما لم يتشقق فإن تشقق وجب غسل باطنه ما لم يرتتق.
تنبيه: ذكروا في الغسل أنه يعفى عن باطن عقد الشعر أي إذا انعقد بنفسه وألحق بها من ابتلي بنحو طبوع١ لصق بأصول شعره حتى منع وصول الماء إليها ولم يمكن إزالته. وقد صرح شيخ شيوخنا زكريا الأنصاري
بأنه لا يلحق بها بل عليه التيمم لكن قال تلميذه شيخنا: والذي يتجه العفو للضرورة.
_________
١ طبوع كتنور: دويبة ذات سم أو من جنس القردان لعضته ألم شديد انتهى القاموس المحيط.
1 / 49
وترتيب.
ــ
٦- وسادسها: ترتيب كما ذكر من تقديم غسل الوجه فاليدين فالرأس فالرجلين للاتباع ولو انغمس محدث ولو في ماء قليل بنية معتبرة مما مر أجزأه عن الوضوء ولو لم يمكث في الانغماس زمنا يمكن فيه الترتيب نعم لو اغتسل بنيته فيشترط فيه الترتيب حقيقة ولا يضر نسيان لمعة أو لمع في غير أعضاء الوضوء بل لو كان على ما عدا أعضائه مانع كشمع لم يضر كما استظهره شيخنا ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما بنيته ولا يجب تيقن عموم الماء جميع العضو بل يكفي غلبة الظن به.
فرع لو شك المتوضئ أو المغتسل في تطهير عضو قبل الفراغ من وضوئه أو غسله طهره وكذا ما بعده في الوضوء أو بعد الفراغ من طهره لم يؤثر ولو كان الشك في النية لم يؤثر أيضا على الأوجه كما في شرح
المنهاج لشيخنا وقال: فيه قياس ما يأتي في الشك بعد الفاتحة وقبل الركوع: أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته أو بعضه لم تلزمه فليحمل كلامهم الأول على الشك في أصل العضو لا بعضه١.
_________
١ المعتمد أن الشك في نية الطهارة بعد السلام لا يؤثر في صحة الصلاة وإن اثر الشك في نية الطهارة بعدها بالنسبة لها بل ليس له افتتاح صلاة بنية طهارة مشكوك فيها راجع إعانة الطالبين.
1 / 50