وكان لأبي حامد سلطة خصوصية عليه من قبيل ما يعرف اليوم بالتنويم المغنطيسي، ولم يكن يعرف يومئذ بهذا الاسم. ولكن أبا حامد كان إذا أحب أن يستهوي هذا الغلام اختلى به وسقاه شرابا مخدرا ينعشه ويضعف إرادته ثم يأمره بما يريد فيصبح أطوع له من بنانه. وهو ينسب ذلك التأثير إلى فعل الشراب، والحقيقة أنه يستهويه بقوته المغنطيسية فإذا أمره بعمل وعين له وقته؛ لا بد من تنفيذه.
فلما عزم أبو حامد على ما نحن فيه استهواه قبل يوم الاحتفال ودفع إليه الحق وأمره أن يضع منه شيئا في الأقداح التي يسكبها للخليفة وقائده وحمدون والحسين بن جوهر.
ونظر أبو حامد في ما يعمله إذا نفذت حيلته فأرسل خاصته إلى مكان بعيد عن المعسكر من جهة الطريق المؤدي إلى مصر أعد فيه ما يحتاج إليه من وسائل النقل حتى إذا نجحت مكيدته فر إلى مصر يلاقي فيها سالما ويتممان مهمتهما بمساعدة صاحبها بفتح القيروان وإدخالها في حوزة الخليفة العباسي. ويكون ذلك سهلا عليه بعد قتل الخليفة العبيدي وقائده. لكنه ظل خائفا من لمياء؛ لئلا تكون مطلعة على بعض سره من حيث مخابئه ومعداته فأعد لهلاكها وسيلة أخرى.
الفصل الثالث والثلاثون
موكب الخليفة والسباق
دبر أبو حامد ذلك كله خلسة ولم يشعر به أحد وظل مشتغلا من جهة أخرى بإعداد مهمات الاحتفال. وقبل يوم الفطر ببضعة أيام نقلت لمياء إلى فسطاط أبيها على أن تزف من هناك إلى الحسين في المنصورية على العادة الجارية عندهم. وفى صباح يوم الفطر كان معسكر حمدون غاصا بالسرادقات والأعلام. وبعد الظهر خرج الخليفة بموكبه من قصره في المنصورية وعليه لباس العيد تحف به حاشيته من الأمراء والصقالبة. وقد امتطى فرسا من جياد الخيل ومشى بين يديه الأمراء والقواد إلا قائده جوهر فإنه أمره أن يسير راكبا بجانبه.
فلما أطل موكب الخليفة على ذلك المعسكر خرج حمدون لاستقباله بالاحترام ومشى بين يدي الجواد حتى وقف أمام السرادق المعد لجلوسه.
فترجل الخليفة وقائده وأومأ إلى الحسين بن جوهر أن يصعد معهما إلى دكة في صدر السرادق مفروشة بالبسط والوسائد. وقد أوقدت مباخر الند والعود في جوانب السرادق وغرست الأعلام ببابه.
فجلس المعز في الصدر وأمر قائده أن يجلس إلى جانبه والحسين بين يديه. وكان الحسين أكثرهم فرحا وقلبه يطفح سرورا لما اتفق له من الحفاوة في عرسه مما لم يتيسر لسواه. كيف لا وقد خرج الخليفة المعز لدين الله من قصوره إلى تلك الساحة إكراما له ولم يبق في الأمراء والقواد إلا من حسده على هذه النعمة. وتقدم حمدون للترحاب بالخليفة عند جلوسه وأكب على يده كأنه يهم بتقبيلها اعترافا بما خوله من الالتفات بتلك الزيارة وقد أخلص النية في طاعته. ثم سأل الخليفة عمن يريد أن يجالسه في سرادقه من الشعراء فاكتفى بابن هاني (متنبي الغرب) وكان حمدون قد أعد له ولأمثاله مقاعد في جوانب السرادق.
جلس المعز ووراء مقعده صقلبيان يحملان المذاب من ريش النعام كالمظلة فوق رأسه. وهو ينظر إلى ما يشرف عليه من السرادقات الأخرى. التي أعدت لجلوس خواصه ورجال حاشيته. واختص بعض أمرائه بالجلوس معه في سرادقه وأمام ذلك السرادق ساحة فسيحة قد سويت أرضها وفرشت بالرمال للعب الخيل.
Unknown page