فازدادت لمياء تحمسا بهذا القول وتناست كل شيء في سبيل العود إلى مجدها وعزها. وسرها فوق ذلك أنهم لا ينوون إكراهها على القبول بابن جوهر بدلا من سالم حبيبها. فاقتنعت بهذه النتيجة وفرحت لكنها لم تفهم سر ذلك التضاد إذ يريدونها أن تقبل الزواج بالحسين وهم لا يسمحون بشعرة منها له ... كيف يتفق ذلك فقالت لوالدها «إن ما تطلبه يا سيدي هو غاية مرادي ولا بد من مراقبة الفرص للحصول عليه، أما الآن فأرجو أن تطاوعني على التخلص من طلبة المعز ليطمئن بالي.»
فقطع كلامها قائلا: «لن تسنح لنا فرصة أوفق من هذه.»
قالت: «وأي فرصة تعني؟»
قال: «قبولك بما طلبه صاحب القيروان ... وقبل إتمام الزواج تذهب روحه وروح قائده وابن قائده والسلام ...» قال ذلك بعجلة ومشى مسرعا إلى مجلسه وقعد وهو يفتل شاربيه وتركها واقفة متحيرة، فأدركت بعض مراده ولحظت أنه يريد أن يتخذ العقد عليها ذريعة للفتك بالمعز وقائده وابن قائده ولا يكون ذلك إلا غيلة. فأجفلت ولكنها تجاهلت ولم تشأ أن تباحثه في التفاصيل وإنما اقتنعت أنه وافقها على التخلص من الزواج بغير سالم - وعادت إلى التفكير بذلك الملثم وهو واقف كالصنم لا يتحرك فاقتربت منه وتفرست في عينيه ولم يكن ظاهرا من وجهه سواهما وقد وقع نور المصباح عليهما فأبرقتا. ولم تتفرس فيهما قليلا حتى اختلج قلبها في صدرها وصاحت: «سالم!»
فمد يده إلى اللثام وأزاحه فإذا هو سالم بعينه. فلما بان وجهه خجلت وأطرقت وتسارعت دقات قلبها وخارت قواها على عادتها معه وغلب الحياء عليها وأخذتها البغتة؛ لأنها لم تكن تحسب سالما في تلك الديار فتراجعت وأطرقت.
الفصل السابع عشر
التحريض
وكان سالم شابا جميل الخلقة ممتلئ الجسم وكانت قد أحبته كثيرا فهي ترى فيه طبعا كل الحسنات ولا ترى في الدنيا أجمل منه، وكانت قوية الإرادة مع كل إنسان إلا معه فإنها كانت أطوع له من بنانه. فلما كشف وجهه وأطرقت قال لها: «بورك فيك يا لمياء ... كنت أعتقد أنك تحبينني ولكن ليس إلى هذا الحد. ولا فضل لك فإني أحبك مثل هذا الحب وأكثر ... ولكن حبنا لا فائدة منه إن لم نسترجع مجدنا أو بالحري مجد والدك وسلطانه ... بعد المسير على الخطة التي يرسمها لك.»
فلم تتمالك أن صاحت فيه: «وأنت أيضا تريد أن أرضى بما عرضوه علي ... عرضوا علي أن أكون لرجل سواك!» قالت ذلك وهي تتوقع منه أن ينكره ويعترض عليه فإذا هو يقول: «أريد ذلك وقتيا ... نعم أريد أن تظهري قبولك به ونحن ندبر ما يلزم في حينه.» ومشى حتى قعد بجانب عمه أبي حامد وأشار إلى لمياء أن تقعد.
أما هي فشغلها فرحها بتلك المقابلة عن كل خطر تتوقعه، ودهشة اللقاء تنسي المحبين كل شيء لاشتغال عواطفهم بالحاضر عن سواه.
Unknown page