فقعدت وخاطرها مشغول بمسير والدها إلى المعز مع جوهر فأحبت أن تشغل نفسها ريثما تأتي أم الأمراء فقالت للحاضنة: «يا خالة يظهر لي من ملامحك أنك لست من أهل هذه البلاد ...»
قالت: «صدقت؛ إني من صقلية يا سيدتي.»
قالت: «فأنت إذن رومية الأصل ...»
قالت: «نعم وأفتخر بأني من نفس البلد الذي منه أكبر قواد أمير المؤمنين.»
فعلمت أنها تعني جوهرا القائد، فقالت: «وهل القائد جوهر من صقلية أيضا؟»
قالت: «نعم يا سيدتي، إنه من نفس ذلك البلد. ألا يحق لي أن أفتخر به؟»
قالت: «كيف لا؟ وهو موضع فخر أهل هذه الدولة. نصره الله على أعدائه.»
وهي في ذلك جاءت أم الأمراء وهي تمشي مشية النشاط لا تتثاقل تثاقل أهل الترف فتراجعت الحاضنة وخرجت. ووقفت لمياء وهي تبتسم وتنظر إلى أم الأمراء نظر شاكر بهج فأجابتها تلك بمثل ذلك، وتناولتها بيدها على غير كلفة ودخلت بها إلى مخدعها الخصوصي وهي تقول: «أحب أن أراك تستأنسين بي وأن تعدي نفسك ابنة لي.»
فأكبت لمياء على يدها فقبلتها ودموع الفرح تتساقط من عينيها، وقالت: «لقد غمرتني بفضلك يا سيدتي بما لم يعد في إمكاني القيام بشكره ... كفى ... إن ذلك فوق ما أستحقه أو يخطر ببالي.»
قالت وهي تقربها من وسادة في صدر الحجرة وتقعدها بجانبها: «إنك أهل لأكثر من ذلك يا لمياء ولا فضل لي إذا أحببتك؛ فإني لم أسمع أحدا ذكرك إلا أعجب بك وبكمالك وهيبتك ... هذا قائدنا جوهر شديد الإعجاب بك وقد رغب في تقريب والدك من أمير المؤمنين إكراما لخاطرك. وقد جاء به الآن وسيدخلان إليه ولا شك أن المعز سيحل أباك محلا رفيعا؛ إكراما لقائده ...» وسكتت وبلعت ريقها وهي تنظر إلى لمياء وتتأمل ملامحها وما يبدو منها فرأتها مصغية لا يبدو على وجهها شيء من الاضطراب. فعادت إلى إتمام حديثها فقالت: «وبلغ من افتتان قائدنا بك أنه أحب أن يأخذك إليه ويجعلك ابنة له ...»
Unknown page