فقال الحسين: «إني لا أراجعك في شيء تراه ... وأنت أعلم مني وأوسع اختبارا لكنني لا أثق بأبيها ولا أظنك تجهل ما في خاطره و...»
وكانا يتكلمان وهما ماشيان، فلم تسمع لمياء من حديثهما إلا نتفا فهمت منها أنهما يتحادثان بشأن خطبتها له فوقعت في حيرة وخافت أن يطلب منها الزواج به وهي عالقة القلب بسالم وإن كانت لا تعرف مقره.
وكانت لمياء مع بسالتها وقوة بدنها قوية العواطف إذا أحبت تمكن الحب من قلبها حتى يشغلها عن كل شاغل لا سيما وأن سالما أول شاب عرفته وأحبته.
ثم عادت فسمعت جوهرا يخاطب ابنه وقد عادا من حيث أتيا وأتما الحديث، فأصغت لعلها تسمع تتمة الكلام فسمعت جوهرا يقول: «إن معاملة هؤلاء بالحسنى أولى بنا وأقرب إلى جمع القلوب، وصاحب سجلماسة من أولى الأمراء بذلك ...» ثم انقطع الحديث من البعد فأصبحت لمياء أشد رغبة في الاطلاع عليه فأصغت لسماعه عبثا. فقعدت وهي تصلح خمارها وتعمل فكرتها وإذا هي تسمع لغطا فيه صوت أبيها فأجفلت ثم رأت أباها وجوهرا ماشيين وجوهر يحتفي بحمدون ويلاطفه. ومن قوله له: «لا ريب أن مولانا المعز يقدر صاحب سجلماسة حق قدره وطالما ذكرك في غيابك وأثنى على علو همتك.»
فقال حمدون: «نحن نفتخر أن نقوم بنصرة ابن فاطمة الزهراء.»
ثم بعد الصوت، وعلمت لمياء من هذا الحديث أن أباها وجوهرا ذاهبان إلى المعز بزيارة وربما كان ذلك بشأنها. فاشتغل خاطرها؛ لئلا يعدهم أبوها بها أو يخطبها للحسين وهي لا تريد. فمشت من غرفتها وهي تود أن تحضر تلك الجلسة لتعلم ما يدور بين أبيها والمعز بشأنها. ولكنها لم تجد وسيلة إلى ذلك إلا على يد أم الأمراء وكانت تسمع بمشاركتها زوجها بالآراء أحيانا حتى كثيرا ما كانت تحضر مجالس المداولة من وراء ستار.
1
الفصل التاسع
لمياء وأم الأمراء
وكانت أم الأمراء قد أعجبت بلمياء كل الإعجاب وأحبتها من كل قلبها. وكذلك لمياء؛ فإنها أحبت أم الأمراء واستأنست بها كأنها تعرفها من أعوام وقد هان عليها أن تكاشفها بما يكنه قلبها وتستشيرها في أمرها وتستعينها في حاجتها. فذهبت تطلبها في غرفتها فلم تجدها فلقيت حاضنتها - وهي امرأة رومية الأصل استجلبها المعز من صقلية لما دخلت في حوزته في جملة نساء حملهن للخدمة وتدبير المنزل. وقد استلطفتها لمياء ورأت منها انعطافا نحوها - فسألتها عن أم الأمراء فقالت: «قد ذهبت في شغل وستعود قريبا.» ودعتها للقعود.
Unknown page