فلما علم بما تكنه جوارح لمياء من الغيرة على الشيعة وعن غرضها من القدوم إلى مصر قال: «بارك الله فيك يا بنية ... كيف فارقت أمير المؤمنين؟»
فطمأنته عنه وأخبرته بما أوتيه من النصر وما ترجوه من تغلبه وفوزه. فأبرقت أسرته، وقال: «الحمد لله الذي نصر قومه ونتوسل إليه تعالى أن يتم فضله علينا وينقذنا من القوم الظالمين ... ألم يعزم الإمام على القدوم إلينا؟»
قالت: «إنه فاعل بإذن الله. وإنما جئت لاستطلع الأحوال وأرى حال الشيعة في هذه البلاد.»
فتنهد تنهدا عميقا وقال: «إن شيعتنا في ضنك شديد. إن هؤلاء الظالمين يسومونهم مر العذاب من الإهانة والضرب والحبس بسبب وبلا سبب ...»
قالت: «قد تفطر قلبي لما شاهدته من ذلك في هذا الصباح، وأنا قادمة إلى منزل المعلم يعقوب ... رأيت شيخين جالسين بباب المسجد يصيحان «معاوية خالي.» يقولان ذلك بكل وقاحة.»
فقال: «لم تري شيئا بعد يا بنية ... إن شيعتنا مغلوبون على أمرهم يذوقون العذاب ألوانا من الحبس والقتل.»
فقالت: «الحبس والقتل! ولماذا؟»
قال: «بغير سبب ... إنهم يسومون شيعتنا ذلك؛ لأنها تجل أبناء الرسول ... لو قصصت عليك بعض الخبر لبكيت على حالنا.»
قالت: «أحب أن أعرف شيئا أنقله إلى مولاي أمير المؤمنين؛ لعله يعجل خطواته في إنقاذهم.»
قال: «أذكر لك مثالا صغيرا من مظالمهم. كان في الفسطاط منذ سنوات رجل من الشيعة اسمه ابن أبي الليث الملطي بلغ خبره إلى صاحب مصر، فبعث في طلبه، فحملوه إليه فأمر بضربه، فضربوه مائتي سوط ووضعوا في عنقه غلا ثقيلا وحبسوه وجعلوا يبصقون في وجهه وهو في السجن حتى مات - رحمه الله.» قال ذلك وغص بريقه فلم تتمالك لمياء عن البكاء.
Unknown page