قالت: «هل ترسل معي من يرشدني إلى منزله؟»
فنهض الشيخ وقال: «أنا أسير في خدمتك إلى منزله.»
فقالت: «لا حاجة إلى تعب سرك يكفي أن تدلني عليه من هنا.»
فمشى - وهو يظن أنه يكرمها بهذه الخدمة - وقال: «لا ... لا ... بل أمشي في خدمتك يا سيدي ... ولهذا المنزل طريقان أحدهما قصير لكنه ضيق مظلم، والآخر طويل منير جميل ... والأحسن أن نسير في الطريق الطويل.» قال ذلك ومشى وهو يتوكأ على عكازه.
فأطاعته لمياء ومشت في أثره وهي بلباسها الخاص بغلمان الصقالبة؛ وإنما اختارت ذلك اللباس لأن أصحابه أقرب بوجوههم وأصواتهم إلى النساء فلا يستغشها من يتوهم في صوتها غنة النساء. فمشيا بزقاق ينتهي إلى رحبة واسعة رأت لمياء فيها الجماهير يتزاحمون ويتراكضون فسألته عن المكان فقال: «هذا جامع عمرو بن العاص يا سيدي.»
قالت: «قد سمعت به كثيرا ، وكنت أود أن أصلي فيه لكنني سأفعل ذلك في فرصة أخرى.»
فقال: «تفضل يا سيدي لأريك الجامع ثم نسير في طريقنا.» ومشى أمامها مسرعا وهو ممسك بطرف ثوبها كأنه يجرها إلى هناك.
ولم يكد يصل بها إلى الباب حتى سمعت صوتا أدهشها ورأت شيخا واقفا بالباب ينادي: «معاوية خالي.» فيرد عليه شيخ آخر في الجانب الآخر بمثل قوله. وهم يفعلون ذلك نكاية في الشيعة؛ لأنها تحتقر معاوية.
فأحست لمياء عند سماع ذلك بغضب؛ لأنها تجل الشيعة إكراما للمعز وأم الأمراء وحدثتها نفسها أن تصيح بالشيخين وتسكتهما، فتذكرت أنها غريبة وليس هذا وقت خصام. وهي تعلم تعصب حكومة مصر وأهل مصر يومئذ على الشيعة. لكنها كانت تسمع ذلك عن بعد فلما رأته رأي العين استغربته فتحولت عن باب الجامع والخاناتي يتبعها ويقول: «ما بالك يا سيدي لم تدخل الجامع لتراه على الأقل؟»
فقالت: «سأرجع للصلاة في فرصة أخرى. ولكن ما بال هذين الشيخين يناديان هذا النداء.»
Unknown page