فتذكرت سعدى حكاية السباق وما كان من شهامة حماد وأحست كأن غشاوة انقشعت عن عينيها فأيقنت أن الفتاة مغرمة بحماد فبغتت ولم تبد جوابا لعلمها أن الرجل غريب في تلك الديار وكانت قد سمعت بفراره والقبض على والده بتهمة الجاسوسية فوقعت في حيرة على أنها لم تنفر من ذكر هذا الشاب في عرض الحديث بل كانت ترتاح إلى ذكره والتحدث عنه لما ظهر لها من شهامته وكرم أخلاقه ولكنها استغربت وقوع هند في هواه مع أنفتها وعلمها بغموض حسبه وعدم سنوح الفرصة لها للاجتماع به وحسبت وقوع ذلك من قبيل التقادير الإلهية.
فنظرت هند إليها لتستطلع ما يظهر منها بعد هذا التلميح فلما رأتها صامتة قالت: «ألم أقل لك أني تعيسة فها أن مجرد الإشارة إلى سبب بلائي أضاع حنوك وألقاك في حيرة.»
فقالت: «كلا يا ولدي فقد وعدتك بالإنتصار لك ولا أزال على الوعد ولكن الخبر جاءني على حين غفلة فبغت له فهل أنت تحبين ذلك الشاب إنه بالحقيقة شهم كريم النفس وأنت تعلمين منزلته عندي من يوم السباق.»
فسكتت هند وكان سكوتها جوابا صريحا.
فعادت سعدى إلى استغرابها واستعظمت زفاف ابنتها إلى رجل لا يعرف له حسب ولا نسب فضلا عن إتهامه بالجاسوسية والقبض على والده وغضب الحارث وثعلبة عليه فلاح لها أن بقاء هند على عزمها سيكون سببا لنفور بين زوجها وابن عمه ولكنها لم تستطع مكاشفة هند بذلك خوفا عليها من سلطان الغرام بعد ما عاينت من شغفها وشدة تعلقها بحماد فعمدت إلى الملاينة فسايرتها في مجرى عواطفها ريثما ترى ما يكون من أمر ثعلبة وقبضه على حماد فقالت لابنتها: «أن حمادا أهل لحبك ولكن كيف بلغت هذه الدرجة من الحب والرجل غريب عنا.»
فقطعت هند الكلام وقالت: «ألم أقل لك أني صائرة إلى الهلاك لأني علمت بما يخامر ذهنك ولكن ما الفائدة من كل ذلك وحماد في مكان لا نعرفه ولعله ذهب فريسة غدر ذلك اللئيم.» قالت ذلك وعادت إلى البكاء.
فقالت والدتها: «لا تجزعي يا هند إن الله على الباغي ولكني أستغرب تعمد ثعلبة الإيقاع بهذا الشاب وليس بينهما علاقة.»
قالت: «هو الحسد والغيرة ولؤم الطمع فوالله أن هذا الخائن لا يساوي قدة من نعل حماد» قالت ذلك وهي تشرق بدموعها .
فأخذت سعدى تخفف عنها وتطيب قلبها حتى سكن روعها فأحبت الإطلاع على تاريخ ذلك الحب وكيفية وقوعه فقالت لها: «كيف تسلمين قلبك إلى رجل لا تعرفين حسبه ولا نسبه وأنت في ما يعلمه من تعقلك ودقة نظرك وحسن رويتك.»
قالت: «إنه حسيب نسيب وسيماه في وجهه.»
Unknown page