فلما أتم قراءته ترجمه فبغت كل من في الجلسة لشدة لهجته فإلتفت هرقل إلى من حوله كأنه يستشيرهم في شأنه وهو لم يفهم المراد منه لأنه لم يكن يسمع بتلك الدعوة إلا همسا فقال: «ومن ينبئني بحكاية هذا الرجل؟» فلم يستطع أحد إيضاحا كافيا فنظر إلى أطراف القاعة فشاهد عبد الله فأشار إليه فهرول نحوه متأدبا فقال له: «هل سمعت شيئا عن صاحب هذا الكتاب؟» وأمر بالكتاب فدفع إليه فقرأه وقال: «نعم يا مولاي أن صاحبه نبي ظهر في مكة في بلاد الحجاز من قبيلة يقال لها قريش دعا الناس إلى عبادة الله وكان أكثر العرب يعبدون الأوثان فأجابه جماعة كبيرة منهم بعد أن قاسى مشقات جسيمة من اضطهاد بعض أقاربه وأعمامه وأهل وطنه فهاجر إلى يثرب فنصره أهلها وشدوا أزره وانتشرت دعوته في أقاصي بلاد العرب ويظهر من كتابه هذا أنه يدعو مولاي الإمبراطور إلى التصديق به.»
فلما سمع أرباب المجلس قوله كثر اللغظ فيما بينهم وأظهروا الاستخفاف فإلتفت هرقل إليهم كأنه يستطلع رأيهم فقالوا له: «أن في كتاب هذا الرجل جرأة كبيرة إذ لا نرى مسوغا أن يحتقر الإمبراطور إلى هذا الحد.» فأشار هرقل إشارة فهم الحاضرون منها أنه يلتمس سكوتهم فسكتوا وإلتفت إلى البطريرك عن يمينه فاستخصه بالسؤال.
فقال البطريرك: «أني أرى في هذا الكتاب جرأة لم يسبق لها مثيل لأن كتابه يبدأ في خطابه بذكر اسمه ثم يذكر اسم جلالتكم فقد قال: «من محمد رسول الله إلى عظيم الروم» والعادة في خطاب الإمبراطور أن يكون الاستهلال باسمه ثم اسم مخاطبه فأرى بعد أمركم أن لا تعيروا هذا الكتاب التفاتا.»
فقال هرقل: «ولكن علينا أن نبحث عن سيرة هذا النبي وصفاته ثم نحن مخيرون في ما نفعله فهل تعرفون أحدا من قريش نسأله عنه.»
فقال الحارث: «أعرف أميرا من أمراء مكة عظيما اسمه أبو سفيان قدم في هذه الأثناء لتجارة في غزة وهو أقدر من يخبرنا عن صفات هذا النبي.»
فقال هرقل: «إلي به.»
فقال الحارث: «سمعا وطاعة فسيكون هذا الرجل هنا بعد بضعة أيام أن شاء الله.»
قال الإمبراطور: «فلنعقد مجلسا إذ ذاك يحضره هذا العراقى لأنه يعرف العربية فلعله يفيدنا شيئا.»
الفصل الخامس عشر
أبو سفيان
Unknown page