قال الرسول: «كلا ولكنهم تداولوا في ذلك والأرجح أنهم لا يفعلون فقد سمعت مداولتهم وأنا جالس بين جماعة منهم كأنى احدهم فقال قائل من بينهم: «كيف نهاجم بلادا لا يقل جندها عن مائة مقاتل وقد يبلغ المئتين فلنطلب المدد.» فقام رجل من كبارهم اسمه عبد الله بن رواحة فقال لهم: «يا قوم والله أن الذي تكرهون للذى خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدة ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي احدى الحسنيين أما ظهور وأما شهادة.» فسمعت الناس يضجون قائلين: «صدق والله بن رواحة.» فلا أظنهم بعد ذلك يستمدون أهل الحجاز.»
فقال جبلة: «وهل سمعت شيئا من اهل القرى التي مروا بها فلا بد من أنهم تعرضوا لهم وقطعوا أشجارهم وآذوهم.»
قال: «لم أسمع منهم تشكيا ولقد عجبت لحال هؤلاء الحجازيين فأنهم على فقرهم وما يظهر من ضنك أحوالهم لم يوذوا احدا من أهل القرى إلا الذين اعترضوهم ولقد بت في دير بين عمان ومؤتة وسمعت حديث الرهبان بشأنهم فرأيتهم يثنون على حسن تصرفهم فقد مروا بهم ولم يكلفوهم أمرا غير ما احتاجوا إليه من ماء أو علف.»
فقال الحارث: «الظاهر أنهم يلتمسون ثقة الاهالى حتى لا يكونوا عونا عليهم أثناء الحرب.»
فقال الرسول: «لا أظن ذلك غرضهم ولكنني سمعت من رجل جالسته بالأمس فاتخذني صديقا وقص علي قصصا كثيرة هو معجب بها عن النبي الذي قاموا بنصرته وما قاله لي انه لما خرج لوداعهم في ثنية الوداع خارج يثرب وسلم الالوية إليهم أوصاهم قائلا: «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالا في الصوامع فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا إمرأة ولا صغيرا ولا بصيرا فانيا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء.».»
فأعجب الحارث وجبلة بهذه الأقوال ثم قال الاول: «أما وقد اقترب هؤلاء من البلقاء فلنبعث إلى دمشق نستعجل الجند الرومي وليكن لقاؤنا إياهم دفعة واحدة نصدهم ونعيدهم من حيث أتوا.» فوافقه جبلة على ذلك ولكنه ما فتئ يفكر في هند وحماد وما صدق أن عاد الحارث من عنده حتى ركب قاصدا صرح الغدير لا يصحبه إلا فارسان فوصل القصر على غير انتظار فلما علمت سعدى بقدومه انشغل بالها ولكنها ما لبثت أن علمت بسبب مجيئه فخلا بها وأطلعها على ما تم بينه وبين الحارث ثم قال: «وهل أنت على ما علمت من أمر ذلك الشاب أم تمكنت من تحويل هند عن عزمها فرجعت إلى صوابها.»
قالت: «قلت لك قبل الآن أن من يحاول تحويل هند عن حماد فانه يلتمس أمرا مستحيلا.»
فتنهد آسفا لما فرط منه تلك الليلة من القبول بمشورة سعدى بشأن هند وحماد ثم قال: «فالي بالحيلة التي وعدت بتدبيرها للتخلص من هذه الورطة.»
الفصل السادس والثلاثون
قرطا مارية
Unknown page