196

يقول المثل: من أدرى بأخبارك غير ربك وجارك، فابن حلتا مثل غبطتكم أخبر منا بجاره ابن مسرح. ولما كان ليس للأولاد إلا والدهم؛ لهذا لجأنا إليكم اليوم بعدما عجزنا عن تحمل جور وظلم هذا الخوري الشرير. فنلتمس الآن من غبطتكم، إذا لم تكفوا يده وتعزلوه، فعلى الأقل نرجو أن تحتموا عليه بالإقامة في بيته، بقريته مسرح.

شبعت عين كفاع مصائب ودعاوى من هذا الخوري المتمرد، الذي يدعي أنه لا يخضع إلا لرومية فقط، وإن وقفيته تحت سلطة البابا، ونحن لا نعرف أن لرومية سلطة التدخل في أوقافنا مباشرة، وإذا كان لها شبه الحق، فلا نظن أن رومية تحمي الفرد وتترك المئات والألوف.

لا نريد أن نسرد ما يقوله كل يوم هذا الخوري؛ لئلا نعكر صفو خاطركم، ولعلمنا من المثل: إن الذي ينقل السب كأنه يسب ثاني مرة، فارحمونا وأبعدوا هذا الشقي عنا.

لا نطلب أن تنزعوا عنه شرف الكهنوت، ولا أن تأمروا بجز لحيته؛ لأن هذا لا يعنينا، كما أنه لا يفيدنا أبدا. المهم أن تكفونا شره، ولكم الأجر عند الله والدعاء من أبنائكم المؤمنين.

وختاما نسأل الله أن يديمكم فخرا للطائفة، وتكرارا نطلب بخشوع منحنون على أقدامكم، البركة الرسولية من فمكم الطاهر أيها الأب الأقدس.

وصرف للرسول الذي حمل العريضة ريال مجيدي من مال الوقف، فأدى الرسالة في حينها. وبعد أيام أجرى البطريرك تحقيقا قانونيا، وإن كانت لا تخفى عليه سيرة الخوري مسرح، وهو يعرف قصصه عن ظهر قلب.

كان يقف إلى جانب الخوري مسرح أحد أساقفة بكركي، وهذا الأسقف كان قد مات. وكان يدعمه أيضا القاصد الرسولي، خصم البطريرك التقليدي، والقاصد قد نقل. فلم يبق من ثم ما يحول دون عزله وتعيين وكيل آخر من الأسرة الواقفة. وهكذا طلب رئيس الديوان البطريركي من قائمقام كسروان أن ينفذ قرار البطرك إلياس الحويك، فكتب القائمقام إلى مدير جبيل، الشيخ بان الخازن. وهذا أمر فارس آغا ومعه أحد رجاله، درويش بوشلحة، بالتوجه إلى عين كفاع، ونزع يد الخوري مسرح، وطرده طردا إذا رفض الامتثال لأمر الحكومة والبطرك.

ولما تناول فارس آغا هذا الأمر جاءته شحمة على فطيرة، فركب دابته الشهيرة، ومضى في طريق عين كفاع، ولما بلغها ولم يعثر على الخوري في بيته؛ لأنه كان لائذا ببيت أحد أقاربه، صاح بصوته الجهوري من بعيد: اليوم يوم الدينونة يا خوري يوسف! والله العظيم وبالغ كل يمين؛ لأنزع لحمك عن عظمك.

وثنى درويش على كلام الآغا بقوله: معنا أوامر أن نحش لحيتك إذا اقتضى الأمر، فسلم تسلم.

وقام الخوري إلى الفراش ليتوارى عن نظر الآغا، ولكنه لم يملك قواه الطبيعية فارتجل حاجته، قبل أن يصل إلى فراشه، فزعا. وما أن طلع الصبح حتى كان الخوري يسير في طريق جبيل.

Unknown page