إن الفلاسفة التقليديين لا يوافقوننا بحال حول ما نعنيه بكلمة «خير»، وكل ما هم واثقون منه هو أننا لا يمكننا أن نعني ما نقول، ولا يزالون مغرمين بافتراض أن «الخير» يعني اللذة، أو أن اللذة على أي حال هي الخير الوحيد الذي يعد غاية. هاتان قضيتان مختلفتان غاية الاختلاف، أن الخير يعني اللذة، وأن اللذة هي الخير الوحيد، كان هذا رأي الهيدونيين
Hedonists (أصحاب مذهب اللذة) وما زال هو رأي أي فلول من النفعيين
Utilitatians (أصحاب مذهب المنفعة) تكون قد بقيت إلى غضون القرن العشرين، إنهما تتشرفان بلقب المغالطتين الأخلاقيتين الوحيدتين اللتين تستحقان عناء أي كاتب في الفن، ولست أتصور لمحة منطقية أكثر رهافة وإقناعا مما قاله الأستاذ مور في دحض القضيتين معا، ولكن ما يكون لي أن أفعل بتعثر ما فعله الأستاذ مور بتأنق، ولن أستدرج إلى محاولة نسخ جدلياته فأجلب على نفسي سخرية الملمين بكتاب «مبادئ علم الأخلاق» أو أفسد متعة غير الملمين به ممن سيفعلون عين الصواب حين يلتهمون هذه الرائعة الدقيقة والمنهجية، إنما يلزمني لغرضي الحالي أن أستعير سهما واحدا فقط من تلك الترسانة العامرة.
سأوجه هذا السؤال إلى من يؤمن بأن اللذة هي الخير الوحيد: هل يتحدث، شأنه شأن جون ستيوارت مل أو أي شخص آخر سمعت به، عن لذات «أعلى وأدنى» أو «أجود وأردأ» أو «رفيعة ووضيعة»؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يدرك أنه قد تخلى عن قضيته؟ إذ عندما يقول بأن إحدى اللذات «أعلى» أو «أفضل» من الأخرى فهو لا يعني أنها أكبر في «الكم» بل أرفع في «الكيف».
في صفحة 7 من كتاب «المذهب النفعي»
Utilitarianism
يقول جون ستيوارت مل
J. S. Mill : «إذا كانت إحدى اللذتين، لدى أولئك الذين يلمون إلماما كافيا بالاثنتين، تتسنم مرتبة أعلى من الأخرى بحيث يفضلونها عليها رغم علمهم بأنها مصحوبة بقدر أكبر من القلق، ولا يتنازلون عنها مقابل أي كم من اللذة الأخرى التي يقدرون عليها بطبيعتهم، فإن لنا أن نعزو إلى المتعة المفضلة تفوقا في الكيف يرجح الكم رجحانا يجعله ضئيل القيمة عند المقارنة».
ولكن إذا صح أن اللذة هي الخير الوحيد، لما أمكن أن يكون هناك سوى معيار واحد لتقدير اللذات - هو كمية اللذة. ولما أمكن لكلمة «أعلى» أو «أفضل» أن تعني غير الاشتمال على لذة أكثر، أما الحديث عن «لذات أفضل» بأي معنى آخر فهو يجعل خيرية الخير الوحيد المعتبر كغاية في ذاته معتمدة على شيء ما هو «بحكم الفرضية»
ex hypothesi
Unknown page