Fann Mucasir Muqaddima Qasira
الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا
Genres
يزعم آبنج أن هناك دلائل على أن الطابع الاستثنائي للاقتصاد الفني آخذ في التضاؤل، أحدها موقف الفنانين المبهم على نحو متزايد تجاه مكانة الفن، وزيادة النشاط الاقتصادي المكشوف. وفقا لهذه الرؤية، من الممكن اعتبار كل من الفنانين الذين يهجون ادعاءات العالم الفني (على غرار فناني البنك الجماعي الذي اتخذ من لندن مقرا له وقد انفرط عقده الآن) وأولئك الذين يسعون وراء الثراء على نحو واضح (على غرار كونز وموراكامي أو هيرست) دلائل على أن المكانة الرفيعة للفن، وانفصاله الظاهري عن عالم التجارة المبتذل، لم يعودا بأمان. مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت هذه السمات هيكلية أم دورية، فترتبط بصعود وهبوط السوق. في نهاية المطاف، يسهل الإشارة إلى نماذج سابقة لكلا النوعين من الفنانين (سرعان ما يتبادر إلى الذهن فنانو جماعة «الفن واللغة» والفنان ورهول للنوع الثاني).
استخدامات الفن
ثمة تحديات جوهرية أمام استقلالية الفن تبدو أقل جدوى من تلك العناصر الخاصة بالتحديث. إن طابع الفن المتمم للنيوليبرالية آخذ في التجلي أكثر مع سعي كل من المؤسسات التجارية والدول، المدركة لغياب التجارة الحرة، إلى تضخيمه من خلال عمل مطالب ذرائعية من الفن. تريد المؤسسات التجارية استخدام الفن بغية ضمان ارتباطها بالعلامة التجارية التي لا يمكن شراؤها بالإعلان، وترغب الدولة في معالجة الآثار المدمرة للتجارة الحرة على التماسك الاجتماعي؛ من ثم، فكلتاهما تسعيان إلى مواجهة القوى الفعلية التي أطلقتاها بالاشتراك معا، حتى إن الدول الغنية تشهد الانهيار الاجتماعي الذي تسبب فيه انعدام المساواة المتزايد؛ مما دفع الكثير من الناس نحو الفقر المدقع وانعدام الأمان، وتضع مزيدا من الضغط على الطبقات الوسطى التي تدعم النظام الكلي للاستهلاكية. لقد رأينا أن ناعومي كلاين زعمت أن «تعهيد» الإنتاج للدول النامية مرتبط بالتأكيد الآخذ في التصاعد على الشعار والعلامة التجارية. وكجزء من هذا الهوس بصورة العلامة التجارية، أضحت مطالب الشركات من الأعمال الفنية أوسع نطاقا وأكثر منهجية.
انتقلت الشركات من الرعاية الخيرية العرضية للفنون إلى بناء شراكات مع المتاحف أو الفنانين، والتي ترتبط فيها العلامة التجارية لأحدهما بالعلامة التجارية للآخر في مسعى لتعزيز كليهما، كما أنها التفتت أكثر إلى جمع الأعمال الفنية وتكليف فنانين بصناعة أعمال لها، وعرضها في معارض، وفي الآونة الأخيرة، إلى الإشراف حتى على معارض تقام في أماكن عامة.
شكل 4-4: داميان هيرست ، «أبسولوت هيرست».
4
هناك مثال معبر على هذا التحالف، وهو مشاركة سلسلة سيلفريدجز في مجال الفن في السنوات الأخيرة، والتي يفحصها كل من نيل كامنجز وماريشا لواندوسكا كجزء من مشروعهما «قيمة الأشياء». رعت سلسلة المتاجر متعددة الأقسام معرضا باسم «النظرة الورهولية» بمعرض باربيكان عام 1998، وانتهزت الفرصة لكساء نوافذ المعرض بمظهر ورشة عمل آندي ورهول التي يطلق عليها «المصنع»، ولعرض جلسة تصوير أزياء مستوحاة من أعمال ورهول. ضم قسم الطعام على نحو متوقع أكواما من علب حساء من ماركة كامبل، وصناديق بريللو، وزجاجات كوكا كولا، جنبا إلى جنب مع مطبوعات خاصة بورهول، كما كان هناك عرض لأفلام ورهول صاحبته دعايات ملائمة في قسم ملابس الرجال. بالطبع، كان ورهول ليحبذ هذه المعاملة تحديدا، لكن هذا لم يكن سوى بداية لمجموعة من الخطوات الاستراتيجية التي اتخذتها سلسلة سيلفريدجز لاستغلال عالم الفن المعاصر لكسب الزبائن.
مثال آخر هو سلسلة إعلانات ولوحات ومنتجات أبسولوت التي أعيد إنتاجها كصفحات مجلات، والتي شكلت تحالفا للعلامة التجارية بين الفنان وشركة مشروب فودكا، أطلق ورهول هذه السلسلة على نحو ملائم عام 1985. لقد استمرت هذه الأعمال، التي جعلت العلاقة بين الفنان والشركة التجارية جلية إلى حد بعيد، حتى وقتنا الحاضر، صنعها الكثير من الفنانين البارزين، من بينهم كيث هارينج، وديفيد ليفينثال، وإد روشا، وفيك مونيز. على نحو مماثل، تحالف تاكاشي موراكامي - وهو فنان يسعى جاهدا بصورة واضحة لتحقيق النجاح التجاري - مع شركة لويس فيتون لتصميم حقائب حققت مبيعات عالية للغاية، ومؤخرا أنتج فيديو فني ترويجي لدار الأزياء هذه. وهذا الفيديو «مونوجرام سوبرفلات» (نسبة إلى حركة «سوبرفلات» ما بعد الحداثية التي أسسها موراكامي) هو نسخة محدثة من «أليس في بلاد العجائب»، تسبح فيه فتاة باحثة عن هاتفها المحمول، في عالم مثير للحيرة من شعارات الشركة. يعد هذا الفيديو منتجا مختلطا تماما، لكونه إعلانا طويلا وفيديو رسوم متحركة بأسلوب موراكامي المميز، عرض في القاعة الأولى من معرض فرانشيسكو بونامي للرسم الزيتي في بينالي فينيسيا عام 2003، وكذلك بمتاجر لويس فيتون الرئيسية على مستوى العالم ، لتعزيز مبيعات حقائب موراكامي أكثر.
حتى وقت قريب، كانت مشاركة المؤسسات التجارية في الفنون منطقة غامضة، تكتنفها اتفاقيات سرية، ويسلط عليها الضوء في أوقات متقطعة بتلميحات نيرة في الأعمال الشهيرة لهانز هاكي التي خضعت لرقابته، والتي تناولت الصفقات الفاسدة للرعاة الفنيين أو الأنشطة التجارية لأفراد مجالس إدارة المتاحف. نحن محظوظون الآن لأننا نملك رؤيتين مهمتين مفصلتين عن مشاركة المؤسسات التجارية في الفن لتشين-تاو وو ومارك ريكتانوس، وكلاهما اضطر لكتابة عمله رغم السرية المحيطة بالموضوع؛ إذ لا ترغب المؤسسات الفنية أو الشركات الراعية في الإفصاح عن تفاصيل الاتفاقيات مع بعضها.
تركز رؤية وو على الدول النيوليبرالية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتصف تفصيلا عملية خصخصة الفن، في المملكة المتحدة على وجه التحديد، حيث سحب تمويل الدولة من المتاحف وغيرها من المؤسسات الفنية. في كلا البلدين انتقلت المؤسسات التجارية إلى رعاية الأحداث الفنية، وتكليف الفنانين بأعمال فنية خاصة، وجمع الأعمال الفنية، وعرض مقتنياتها في أماكن عامة. في المملكة المتحدة كان تغيير الطابع السياسي على نحو مزعج للفن المعاصر هدفا صريحا لحكومة المحافظين تحت قيادة مارجريت تاتشر من خلال جعله أكثر اعتمادا على قوى السوق، وبالمثل، دعم رونالد ريجان شخصيا تدخل الشركات في الفنون، بدءا من شركات النفط والتبغ، من بين شركات أخرى.
Unknown page