Falsafat Tarikh Cinda Vico

Catiyyat Abu Sucud d. 1450 AH
30

Falsafat Tarikh Cinda Vico

فلسفة التاريخ عند فيكو

Genres

ثم يذكر فيكو مجموعة من المسلمات عن تسلسل نسب الآلهة، ويؤكد أن العشائر الأولى للمجتمع البشري أو الأمم الأولى نشأت قبل المدن الكبرى؛ ولهذه الأمم الصغيرة آلهتها الخاصة بها وكانت تدعى آلهة آباء الأسر. وبعد ظهور المدن نشأت الأمم الكبيرة وكان لها أيضا آلهتها. ومن تتبع فيكو لتسلسل نسب الآلهة أثبت أن عددهم اثنا عشر إلها في كل الأمم الأممية: «نشأت الأمم الأولى قبل إنشاء المدن وكانت تسمى بيوت النبلاء القديمة، ومن هذه الأمم الأولى أو العشائر الصغيرة كون رومولوس مجلس الشيوخ» (مسلمة 107). «وفقا للتقسيم السابق، هناك آلهة كانوا آباء الأسر في الأمم الأولى قبل تأسيس المدن، ووفقا للثيوجونيا الطبيعية فإن عدد الآلهة في كل الأمم الأممية كان يبلغ اثني عشر إلها»

26 (مسلمة 108).

ثم يتعرض فيكو لمجموعة من المسلمات التي يقدم فيها آراءه عن القانون المدني والقانون الطبيعي؛ فالقانون الطبيعي أسسته الشعوب من خلال عاداتها الطبيعية والبسيطة، ثم أضفى الفلاسفة على القانون الطبيعي صورة أكمل عن طريق العقل، أي أنهم تمموا بالعقل ما بدأته الأمم الأممية بالعادة والعرف، ولكن الفلاسفة لم يظهروا إلا بعد ألفي سنة من نشأة الأمم الأممية.

ويؤكد فيكو أن العناية الإلهية هي التي حددت القانون الطبيعي للشعوب؛ لأن الأمم عاشت قرونا طويلة وهي عاجزة عن فهم الحق وعن فهم فكرة القانون الطبيعي التي وضحها الفلاسفة فيما بعد. وسمحت العناية الإلهية بأن تتمسك الأمم بقوانينها المدنية، بل أن تتمسك بحرفية هذه القوانين مهما ثبتت قسوتها عند تطبيقها، وقد حرصت العناية الإلهية بهذا على أن تحافظ على وجود الأمم وبقائها وهذا ما أغفله - في رأي فيكو - فقهاء القانون الطبيعي؛ ولهذا أخطئوا جميعا في مذاهبهم لأنهم تصوروا أن الأمم الأممية قد فهمت فكرة القانون الطبيعي منذ نشأتها الأولى دون أن يدركوا أن هذه الفكرة لم تتضح بشكل كامل إلا بعد تطور العقل البشري وبعد ظهور الفلاسفة لدى هذه الأمم بعد ألفي سنة من نشأتها فأخذوا يبلورون فكرة القانون الطبيعي بشكل كامل عن طريق العقل. والقانون المدني وضعه الأذكياء من البشر الذين صاغوا المنفعة صيغة قانونية؛ ولذلك فهذا القانون لا يفهمه إلا قلة من البشر من ذوي المعرفة والذكاء، أما الشعوب ذات الأفكار المحدودة فقد فهمت القانون على أنه الالتزام الشديد بالصياغة الدقيقة للكلمات التي وضعها الحكماء طبقا لما هو ضروري لحفظ الجنس البشري. وهذا ما تعبر عنه المسلمات التالية: «البشر ذوو الأفكار المحدودة يفهمون القانون على أنه ما تعبر عنه الكلمات» (مسلمة 109). «النص الذي ذكره أولبيان

Ulpian

عن مفهوم القانون المدني لا يعرفه إلا قلة من الناس من ذوي الخبرة والمعرفة والذكاء، وهؤلاء يستطيعون الحكم على ما هو ضروري للحفاظ على المجتمع البشري، أي أن القانون المدني ليس قانونا طبيعيا» (مسلمة 110). «يقين القوانين يظل غامضا بالنسبة للعقل ولا تسنده إلا سلطة التقاليد ويتعذر على العقل أن يفهمه؛ ولهذا فإن القوانين تطبق مهما كانت صارمة لاستنادها إلى سلطة التقاليد» (مسلمة 111). «إن الأذكياء من البشر يعتقدون أن ما تمليه المنفعة هو القانون» (مسلمة 122). «الجانب الحق من القوانين نوع من الضوء الذي يضفيه العقل الطبيعي عليها؛ لذلك كثيرا ما يستعمل المشرعون كلمة حق مرادفة لكلمة عدل» (مسلمة 113). «إن القانون الطبيعي في نظر العقل البشري المتطور هو في الواقع تطبيق للحكمة على المنفعة العملية؛ لأن الحكمة بمعناها الأشمل ليست إلا علم استخدام الأشياء وفق طبيعتها»

27 (مسلمة 114).

كانت هذه هي مسلمات العلم الجديد التي قدمها فيكو والتي يجب أن يسلم بها كل باحث في عالم الأمم لتكون الأساس العلمي والنظري في بناء الهيكل التاريخي، أو بمعنى آخر هي صورة العلم الجديد.

ولكن هناك بعض المغالطات التاريخية في هذه المسلمات، وقد أوضحنا منها في ثنايا هذا الفصل الغلطة التاريخية الخاصة بنشأة النظم الملكية في العالم وكيف أنها بدأت في مصر، ومنها أيضا أن التاريخ بدأ بالطوفان، فهل هذه هي البداية التاريخية الحقة؟ من المؤكد أن بداية التاريخ البشري كانت قبل هذا الزمان، ولكن لم تتوفر المعلومات التاريخية عن هذه الفترة وبالتالي فهو تاريخ مجهول؛ لذلك بدأ فيكو التاريخ من الطوفان لكونه واقعة تاريخية منها يستطيع أن يجمع الخيوط حول بداية التاريخ البشري من الأساطير والتراث الشعبي ونشأة اللغات.

من الواضح تأثر فيكو بأفلاطون في بحثه عن نظام أبدي دائم للأشياء؛ فقد قال فيكو بتاريخ مثالي أبدي يحكم مسار الأمم في مولدها وتقدمها ونضجها ثم تدهورها وسقوطها. ويرى برييه أن الأمر عند فيكو ليس كما هو عند كوندورسيه وكونت مسألة قانون يصوغ تقدما أو تطورا لا محدودا للبشرية في مجموعها، وإنما هو مسألة قانون مثالي تشارك فيه كل أمة مستقلة عن الأمة الأخرى على مدى تطورها؛ فالتاريخ الروماني من العصور الأسطورية الملكية حتى نهاية الإمبراطورية على يد البرابرة مثل على هذا الكل المتكامل، وهو مثال لتاريخ أي أمة بحيث إن مراحله المتتابعة يمكن أن توجد في أي أمة أخرى، أي أن الزمان يسير في شكل دوري يدور ثم يعود على نفسه ليبدأ التاريخ من جديد مع كل أمة، وهنا يردد فيكو النظرة المألوفة عند كل من أفلاطون وأرسطو والرواقيين الذين كانت لديهم نفس الفكرة عن الزمان.

Unknown page