Falsafat Karl Buber
فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم
Genres
109
فلا عجب إذن أن يدين رسل هيوم بأنه المسئول عن الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) التي أصابت التجريبيين والعلميين وعن اللاعقلانية التي أصابت الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر، وفي هذا كتب رسل يقول:
لقد أثبت هيوم أن التجريبية المحضة لا تشكل أساسا كافيا للعلم، لكن إذا سلمنا بهذه القاعدة الوحيدة - أي الاستقراء - فأي شيء بعد ذلك يتلاءم مع النظرية القائلة: إن كل معرفتنا قائمة على التجربة. ويجب التسليم بأن هذا افتراق خطير عن التجريبية المحضة، فقد يتساءل بعض التجريبيين: لماذا نسمح بالخروج عن نطاق التجربة في هذه النقطة بالذات ونمنع في غيرها، وهذه على أية حال تساؤلات لا تثيرها مناقشات هيوم بصورة مباشرة، ولكن ما تثبته هذه المناقشات - ولا أعتقد أن هذه الحجة يمكن معارضتها - هو أن الاستقراء كقاعدة منطقية مستقلة، لا يمكن أن نستدل عليها من التجربة ولا من قواعد منطقية أخرى، إنه بغير هذه القاعدة يصبح العلم مستحيلا.
110 (7) هذا هو الاستقراء، الذي سيطر على الأذهان كمعيار للعلم، وتلك هي مشكلته ومدى خطورتها على البنيان المعرفي، فماذا فعل كارل بوبر بإزاء كل هذا؟ (6) موقف بوبر «وكان المقصود بكتابة «منطق الكشف العلمي» أن يمدنا بنظرية المعرفة وفي نفس الوقت يبحث في المنهج؛ منهج العلم، وكان هذا الربط ممكنا لأني أنظر إلى المعرفة الإنسانية بوصفها مكونة من نظرياتنا وفروضنا، والمعرفة بهذا المعنى موضوعية، وهي فرضية أو افتراضية حدسية.
111
هذه الطريقة في النظر إلى المعرفة، مكنتني من إعادة صياغة مشكلة هيوم في الاستقراء.
بهذه الصورة الجديدة أصبحت المشكلة قابلة للحل، وهذا الحل أعطانا نظرية جديدة في منهج العلم.»
112 (1) الفلسفة هي البحث في الأسس النظرية العميقة التي تكمن خلف موضوع البحث، فتكون فلسفة العلم هي البحث في الأسس المنطقية للعلم كما هو معروف، ولما كان العلم هو أنساق من النظريات كانت فلسفته التي هي منطقه؛ نظرية في هذه النظريات، والمشكلة المطروحة هنا هي: نظرية تميزها عن غيرها من الأنساق قد تختلط بها.
ولكن هل تكون المعرفة العلمية متبوئة عرش السيادة، وجديرة بالعناية الدقيقة بتميزها، بعد أن رأينا هيوم يصفها باللاعقلانية، واهتراء الأساس والافتقار إلى المبررات المنطقية وما إليه، بحيث إن من يعتبر عقله يرفض التسليم بها بوصفها معرفة على الإطلاق، فضلا عن أن تكون في طليعة المسيرة المعرفية. (2) إن بوبر فيلسوف العلم الأول، وأحد العوامل التي خولت له هذه الأولوية هي حله لمشكلة الاستقراء وإخراجه منطقا عقلانيا راسخا للعلم، فيكون محقا في اعتباره المعرفة العلمية أرفع ضروب المعرفة وأكثرها تقدما ونجاحا، وأقدرها على حل المشاكل، وبالتالي من الضروري تمييزها عن غيرها من المعارف؛ إذ إنها جميعا موضوعية.
والأهم أن هذا الحل يمثل الوجهة المنطقية لضرورة حذف الخرافة الاستقرائية، فنرى أمامنا المنهج الحقيقي للعلم، وهذا من شأنه أن يعود بنا إلى لب المشكلة المطروحة في هذا الباب، الفصل في الزعم الشائع من أن الاستقراء هو المعيار الذي يميز العلم. (3) لكن كيف نعرض كل هذه الأفكار المتداخلة المتشابكة عرضا منهجيا منسقا؟ الواقع أن الفقرات المقتبسة المستهل بها، توفر الكثير من عناء المحاولة لاستيضاح الطريق.
Unknown page