Falsafa Qariyya Muqaddima Qasira
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان الاهتمام بكتاب كانط «نقد ملكة الحكم» في ثمانينيات القرن العشرين، وعلى وجه التحديد الاهتمام بمناقشة مفهوم التعالي؛ سببا ونتيجة للمشاكل التي طرحها خلاف الحداثة/ما بعد الحداثة. وعلى هذا النحو، اعتمدت النقاشات الحادة في كثير من الأحيان بشأن ما إذا كانت الحداثة انتهت (وهو موقف جان-فرانسوا ليوتار) أو ببساطة غير مكتملة (وهو موقف هابرماس)؛ على كيفية قراءة المرء لكانط وأي أعماله يختار أن ينصب تركيزه عليها. ولحسن الحظ أصبح هذا الخلاف مبتذلا إلى حد كبير، وتخطته المناقشات. (2)
عندما كنت طالبا جامعيا في تخصص الفلسفة خلال أوائل ثمانينيات القرن العشرين، كان شيلينج اسما لم نسمع به أو سمعناه فقط مرتبطا بنقد هيجل المبكر لعمله. ونشأت زيادة الاهتمام الحديثة بأعمال شيلينج من المشاكل الفلسفية الملموسة في الاستقبال الأنجلو أمريكي للفكر «ما بعد البنيوي» الفرنسي. وأصبح من الواضح أن شكل المحاججة لدى مفكر مثل دريدا، يحمل أوجه تشابه ملفتة للنظر لذلك الخاص بشيلينج، وإذا كانت هذه هي الحال، فربما لم تكن «التفكيكية» طليعية جدا كما كان متصورا سابقا. (3)
يعتبر إيمانويل ليفيناس في الوقت الراهن عموما واحدا من أعظم الفلاسفة الفرنسيين في القرن العشرين. مع ذلك، لاقت أعماله تجاهلا على نحو كبير في فرنسا حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين. ويبدو أن الفيض الحالي للأعمال حول فلسفة ليفيناس كان نتيجة مباشرة للمعلومات الجديدة التي تم الكشف عنها في شتاء عام 1986-1987 حول مدى تورط هايدجر المخزي مع النازية؛ لذلك، ينشأ الاهتمام بأعمال ليفيناس في سياق ضيق الأفق الأخلاقي والسياسي لتفكير هايدجر، وضمنيا التفكير الذي استلهم من هايدجر، لا سيما تفكيكية دريدا. (4)
بالاستثناء الواضح للعمل الرائد لتشارلز تيلور، كان هيجل حتى وقت قريب بعض الشيء شخصية مغمورة نوعا ما في الفكر الفلسفي الأنجلو أمريكي. والتجدد الحالي للاهتمام بأعمال هيجل ناتج عن المناقشات في الفلسفة الأنجلو أمريكية المعاصرة في أعمال جون ماكدويل وروبرت براندوم وغيرهما، حول قصور الفلسفة الطبيعية والحاجة إلى إيجاد وسيلة لمواءمة الطبيعة مع الحرية أو العقل.
يمكن تقديم أمثلة أخرى من هذا النوع؛ حيث تعمل الفلسفة القارية كنوع من الأرشيف النصي الكبير لمشكلات فلسفية محددة السياق؛ فأية مشكلة فلسفية معاصرة مهمة سوف تؤدي بالمرء إلى استدعاء نص ومجموعة من المفاهيم من هذا الأرشيف. وطريقة مضي المرء قدما من الناحية الفلسفية تكون بالنظر إلى الماضي بطريقة جديدة.
بعبارة أخرى، بالنسبة إلى الفلسفة القارية، فإن المشاكل الفلسفية لا تسقط من السماء جاهزة، ولا يمكن التعامل معها كعناصر في خيال لا تاريخي من «الفلسفة الدائمة». وقراءة المرء لنص فلسفي كلاسيكي من هذا التقليد لا تأخذ شكل نقاش على العشاء في الجامعة، بقدر ما تكون في صورة اجتماع مع شخص غريب من أرض بعيدة بدأ المرء للتو فهم لغته، وبصعوبة. أتذكر - بحرج شديد - تقديم بحث إلى بعض الفلاسفة في إحدى الجامعات البريطانية الكبرى بعد بداية مسيرتي الأكاديمية بقليل، وعلى العشاء، وبعد تحمل حديثي الطويل حول تغير معنى مفهوم الذات من أرسطو إلى ديكارت إلى هايدجر إلى دريدا، سئلت: «لماذا لا يمكنني قراءة أعمال ديكارت كما لو كنت أتناول العشاء معه، تماما مثلما أتناول العشاء معك؟» أجبت بأن ديكارت توفي قبل 350 عاما، بعد أن رأى رأي العين الفوضى الشديدة التي نتجت عن حرب الثلاثين عاما، وأنه كتب باللاتينية والفرنسية، وأنه استخدم أجناسا أدبية معينة مثل مقال السيرة الذاتية (في عمله «مقال عن المنهج»)، والممارسة الروحية (في عمله «تأملات في الفلسفة الأولى»)؛ ولذلك، استنتجت أنه لا يمكن للمرء أن يطلع ببساطة على كل تلك العوامل ليقرر ما إذا كانت حججه صحيحة أم لا. ولا حاجة بي إلى قول إنني فشلت في إقناع محدثي وغيره من الضيوف على العشاء، ولكن المشهد مع ذلك مفيد في توضيح وجود اختلافات بيننا في النهج الفلسفي.
وهذا يعني أن المشاكل الفلسفية - نصيا وسياقيا - «متجذرة»، وفي الوقت نفسه «منفصلة». وهذا المزيج من التجذر والانفصال ربما هو ما يفسر السبب في أن المشاكل التي تبدو هامشية، الخاصة بالترجمة واللغة والقراءة وفهم النص والتفسير وتأويل التاريخ، لها هذه الأهمية الكبيرة في التقليد القاري. بطبيعة الحال، هذا غالبا ما يترك المرء معرضا للتهمة الغريبة بأنه يسلك مسلكا «أدبيا» بدلا من المسلك «الفلسفي»، كما لو كانت افتراضات الفيلسوف لها علاقة شفافة ودون وساطة بالتجربة؛ وهي الرغبة التي يبدو أنها تقوم على ما سماه ويلفريد سيلرز «وهم المعرفة الموهوبة»، وهي فكرة أن المعرفة الفلسفية تقوم على نحو واضح وصريح على الأمور التي نكون على دراية بها على نحو مباشر أو تكون «مباشرة أمام العقل». (3) التقليد والتاريخ
وهكذا، وعلى الرغم من أن الاعتماد في التفرقة بين التقليد التحليلي والقاري على اختلاف سطحي يتمثل في اعتماد الأول على المشكلات والثاني على الشخصيات، لا يعد كافيا؛ فهو يؤدي إلى أسئلة أعمق حول التقليد والتاريخ، وأهمية هذا الأخير بالنسبة إلى التقليد القاري. ربما أسهل وسيلة وأكثرها إيجازا لتحديد الفارق بين الفلسفتين تكون من حيث ما تراه كل منهما على أنه شكل تقليدها الفلسفي والفلاسفة الذين يمثلون هذا التقليد؛ وهذا يعني أن ما يهم هو التقليد الذي «يشعر» الفيلسوف بالانتماء إليه، مع معرفة من الذي يعتبر سلفا أو مرجعا له (وربما الأهم من ذلك، معرفة من الذي لا يعتبر كذلك؛ وفي بعض الأحيان دون معرفة السبب). وهكذا، في حين أن فيلسوف التقليد التحليلي ربما يرى فريجه وراسل وجي إي مور باعتبارهم مرجعيات له، فإن فيلسوف التقليد القاري ربما يرى هيجل وهوسرل وهايدجر كذلك. وبهذا المعنى، يمكن التفرقة بين الفلسفة التحليلية والقارية من خلال أسلافهما، مثل بورتريهات وصور العائلة القديمة؛ حيث يمكن للمرء اكتشاف التشابه بين الوجوه القديمة الموجودة بتلك الصور وورثتهم في الوقت الحاضر.
ولكن التفرقة بهذه الطريقة لا تدخل إلى صميم المسألة حقا؛ لأن ما هو مثير في الفلسفة التحليلية - من منظور الفلسفة القارية - هو أنها حتى وقت قريب جدا لم تكن لديها وعي ذاتي بتقليدها على نحو غريب. وبدأ هذا في التغير، وقدمت أعمال مهمة حول أصول الفلسفة التحليلية، سواء فيما يتعلق بجذورها الألمانية لدى فريجه، كما رأينا بالفعل في حالة دوميت، أم فيما يتعلق بنقد راسل للمثالية البريطانية. ويمكن النظر إلى ظهور الفلسفة التحليلية في العقود الأولى من القرن العشرين على أنه يسير بالتوازي مع حركات حداثية أكبر في الشعر والفنون الجميلة والهندسة المعمارية. وبوضع هذا في الاعتبار، فإنه ربما ليس من قبيل المفاجأة أن فيتجنشتاين لم يكن فحسب مؤلف كتاب «رسالة منطقية فلسفية»، ولكنه صمم أيضا وبنى منزلا بأقل الأساليب الحداثية تكلفة لأخته في فيينا.
ثمة عرض مهم آخر في «التأريخ» الحديث للفلسفة التحليلية يتمثل في أن السيرة الذاتية أصبحت مادة للاهتمام الفلسفي المشروع والفضول الثقافي الكبير. والمثال هنا مرة أخرى هو فيتجنشتاين في كتاب راي مونك الرائع «لودفيج فيتجنشتاين: واجب العبقري» (1990)، وفي فيلم ديريك جرمان الأقل روعة: «فيتجنشتاين» (1993). وقد تعزز هذا التحول نحو السير الذاتية في عام 1996 بالسيرة الذاتية لبرتراند راسل التي كتبها مونك، والسير الذاتية الناجحة الحديثة التي كتبها أشعيا برلين وإيه جيه آير. وعلى الجانب القاري، تعد السيرة الذاتية الفكرية لهايدجر من تأليف روديجر زافرانسكي جديرة بالذكر. وتكمن جاذبية السيرة الذاتية في أن إنتاج الفيلسوف الفكري يمكن النظر إليه باعتباره تعبيرا عن توجه وجودي معين. وعلى هذا النحو - وهذا هو أهم عوامل جاذبية فكر فيتجنشتاين - يمكن النظر إلى الفلسفة على أنها متجسدة في صورة أسلوب حياة. وهكذا، فإن تأييد أو مناصرة وجهات نظر فيلسوف معين قد تؤدي إلى محاكاة أو محاولة مضاهاة معينة لتلك الحياة، ويرى المرء كل هذا طوال الوقت على المستوى الأكاديمي؛ حيث لن يدافع طلاب فيلسوف شهير ذي كاريزما عن مذهبه فحسب، ولكنهم أيضا سيقلدون إشارات يديه، وتردده في الكلام، والمشكلات التي يعاني منها في الحديث، وحتى تدخينه، وشربه للخمور، وعاداته الجنسية. وليست كلمة التلمذة كلمة قوية بما يكفي للدلالة على ما يجري هنا. ولكن هذا ليس بالفكرة الجديدة؛ حيث إن السيرة الذاتية كانت أداة رئيسة في التعليم الفلسفي في العالم القديم؛ وهي تتضح بمثال سقراط، وكذلك أيضا في مختلف المدارس الهلينستية اللاحقة، مثل الرواقية والأبيقورية؛ ففي السيرة الذاتية، تندمج الفلسفة مع أسلوب للحياة. (4) التاريخانية والتحرر
Unknown page