Falsafa Qariyya Muqaddima Qasira
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
التاريخ الفكري للعلاقة الفلسفية بين بريطانيا وأوروبا القارية يعود على الأقل إلى أواخر القرن السادس عشر والقرن السابع عشر؛ حيث ظهور الفلسفة في شكل مكتوب باللغات المحلية الوطنية مثل الفرنسية والإنجليزية وليس اللغة اللاتينية. ومن المعالم التاريخية ذات الصلة في هذا الإطار نشر مؤلف مونتين «المقالات» بالفرنسية في عام 1580، وكتاب فرانسيس بيكون «تقدم المعرفة» بالإنجليزية في عام 1605. لكن البعد الرئيسي الذي يفسر ظهور شيء يمكن للمرء تعريفه بأنه «الفلسفة القارية»، يبدأ في اعتقادي بعد ذلك بفترة طويلة، مع استقبال فلسفة كانط والمثالية والرومانسية الألمانية في إنجلترا في السنوات التي تلت قيام الثورة الفرنسية. وتتمثل الشخصية الرئيسة في هذا الإطار في الشاعر صامويل تيلور كولريدج وفهمه المؤثر - وإن كان غريبا وشاذا - للمثالية والرومانسية الألمانية. ومن المهم جدا في هذا الصدد أيضا اثنتان من المقالات الطويلة، كتبهما جون ستيوارت مل حول جيرمي بنثام وكولريدج، وظهرتا في دورية «لندن آند ويستمنستر ريفيو» في عامي 1832 و1840 على التوالي. وفيما يتعلق بالتأثيرات الفلسفية الألمانية على كولريدج، يتحدث مل عن «فلاسفة الفلسفة القارية» و«الفلسفة القارية»، كما يتحدث أيضا عن «المذهب الألماني الكولريدجي» و«الفلسفة الفرنسية». يكتب مل في بداية مقالته عن كولريدج قائلا:
من يستطع فهم المقدمات المنطقية لفكر كولريدج وبنثام والجمع بين منهجيهما، فسوف يستوعب الفلسفة الإنجليزية بأكملها في عصرهما. اعتاد كولريدج قول إن كل شخص يولد إما أفلاطونيا وإما أرسطيا؛ وربما يمكن التأكيد على نحو مماثل بأن كل إنجليزي في وقتنا الحاضر يكون ضمنيا إما بنثاميا وإما كولريدجيا؛ أي يحمل آراء حيال الشئون الإنسانية، والتي يمكن إثبات صحتها فقط من خلال مبادئ بنثام أو تلك الخاصة بكولريدج.
الفكرة المثيرة للاهتمام هنا هي أن الجمع بين بنثام وكولريدج يمنح المرء الفلسفة الإنجليزية الكاملة لعصرهما. يرجع هذان الاتجاهان إلى سؤالين: إذ يعتقد مل أن بنثام يطرح السؤال التالي بشأن أي مذهب قديم أو رأي سائد: «هل هو صحيح؟» في حين يطرح كولريدج السؤال التالي: «ما معناه؟» إذن، «الفلسفة القارية» معنية بالمعنى، في حين أن مذهب بنثام المقابل لها معني بالصحة. ومن حيث المخطط المذكور في الفصل الأول، إذا كان بنثام معنيا بمسألة المعرفة، فإن كولريدج معني بمسألة الحكمة.
بطبيعة الحال، من المغري للغاية تحليل ما يقوله مل هنا نفسيا؛ لأنه في شتاء عام 1826-1827، عندما كان في سن العشرين، عانى من «أزمة نفسية» شديدة. فسأل مل نفسه - مثل الكثير من الشباب - ما إذا كان سيصبح سعيدا إذا تحققت كل أهدافه في الحياة، واضطر للإجابة بأنه لن يكون سعيدا. إن نفعية التعليم غير العادي الذي خضع له مل أنتجت معرفة ولكنها لم تكن كافية للحكمة، فضلا عن السعادة بالطبع. تغلب مل جزئيا على اكتئابه من خلال قراءة قصائد وردزوورث قائلا في هذا الصدد: «يبدو أني تعلمت منها ما سيكون المصادر الدائمة للسعادة.» تعلم مل - بحسب قوله - أنه «ليس شجرة أو حجرا»، وأدى ذلك لمعارضته لحكم بنثام بأن «الشعر ليس أفضل من لعبة الدبابيس». وحكم مل أنه كان أفضل بكثير من لعبة الدبابيس، وانغمس في قراءة أعمال أتباع كولريدج، وأسلافهم الألمانيين، مثل جوته، الذي أعجب مل ب «تعدد جوانبه»، واللغوي والفيلسوف الإنسانوي فيلهلم فون همبولت. وعندما سئل من قبل المؤرخ توماس كارليل عما إذا كان قد غير نظرته للأمور تماما، أجاب مل مشيرا إلى المنطق الذي ربي عليه: «أنا أومن بالنظارات.» ولكنه أضاف: «ولكني أومن أن العيون ضرورية أيضا.»
شكل 3-2: رسم كاريكاتيري لجون ستيوارت مل (1806-1873).
بالعودة إلى مقالتي مل، بنثام هو «المدمر» العظيم، أو «بلغة فلاسفة التقليد القاري: هو المفكر «النقدي» العظيم في عصره وبلده». وهو يباشر هذا النقد المدمر باستخدام طرق التحليل المنطقي والحس التجريبي السليم للسعي وراء حقيقة «الأمور العملية». بالنسبة إلى مل، بنثام هو امتداد عملي التفكير لشك هيوم نقل على وجه الخصوص إلى نطاقي القانون والحكم. وما يستحق بنثام الثناء عليه هو أنه استخدم هذه المواهب الناقدة بروح المصلح الاجتماعي من أجل تحسين الصالح العام. من ناحية أخرى، لم يكن كولريدج مهتما بالسعي وراء حقيقة الأشياء، ولكن بالسعي وراء معناها. على هذا النحو، ليس هذا المنهج مدمرا للمذاهب والتقاليد الفلسفية السائدة، وإنما يقدم إعادة بناء تأويلية لمعنى هذه المذاهب والتقاليد. بمصطلحات معاصرة، وبالتفكير في أعمال كوينتن سكنر المهمة، فإنه يمكن للمرء أن يطلق عليها منهجا «سياقيا» لتناول الأمور؛ بمعنى أنه إذا أردنا أن «نفهم» معنى ممارسة أو حدث معين أو بالطبع نص في الواقع، فإن علينا تحديد نشأته التاريخية ووضعه في إطار شبكة الحياة الاجتماعية والسياسية المعقدة؛ وبهذا المعنى - وربما على نحو مفاجئ - فإن «الفلسفة القارية الكولريدجية» هي المحافظة على التقليد والعدو الكبير للثورات الاجتماعية، في حين أن فلسفة بنثام هي المدمرة للتقليد وصديقة التغيير والتقدم الاجتماعيين. والمرء معتاد على التفكير في التمييز بين هذين التقليدين أو الاتجاهين على عكس ذلك؛ حيث تكون الفلسفة التحليلية محافظة ومنغلقة فيما يشبه غرفة استراحة الأساتذة الجامعيين الذين يرتدون ملابس تقليدية، والفلسفة القارية هي المقابل غير التقليدي للحذق العصري. وسوف نحظى على نحو مثير للاهتمام بفرصة تناول تقسيم سياسي مقابل في الصراع بين كارناب وهايدجر؛ حيث الأول إصلاحي وتقدمي، في حين أن الثاني - في أسوأ أحواله - رجعي ومحافظ.
ويمكننا عرض مخطط لبعض التقابلات المستقاة من مقالتي مل على النحو التالي:
بنثام
كولريدج
الحقيقة
Unknown page