161

Fahm Fahm

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Genres

غير أننا إذا سايرنا هيرش في نظرته حتى النهاية، واختزلنا الهرمنيوطيقا إلى مجرد مشكلة فيلولوجية، لاضطررنا إلى أن نزيح جانبا كل هذا التطور المعقد الذي أتى به فكر القرن العشرين بوصفه غير ذي صلة بعملية التعرف الفعلي على المعنى اللفظي، ولأصبحت الهرمنيوطيقا مجرد مجموعة من مبادئ التفسير الفيلولوجية التي يمكن لمدرس اللغة أو رجل الدين أو القانون أن يستخدمها دون أن يكرث نفسه بتطورات القرن العشرين في فلسفة اللغة أو في الفينومينولوجيا أو الإبستمولوجيا أو الأنطولوجيا الهيدجرية، فمن ذا الذي يكترث بهيجل أو هيدجر أو جادامر إذا كان مرامه أن يجمع معلومات عن «القصد الحقيقي» أو «المعنى اللفظي الثابت» ل

Lycidas

ملتون، ولكن ماذا عن مشكلة فهم ما يمكن أو ما يجب أن تعنيه

Lycidas

بالنسبة لنا اليوم؟ ذلك، في رأي هيرش، شأن الناقد الأدبي، وتلك مهمته، غير أن الناقد الأدبي بالطبع «لن يزدري» العمل التكنيكي المتواضع الذي يقوم به «المفسر» - وهو الأساس الوحيد للنقد - حتى إذا كان المفسر منصرفا إلى المعنى النقي الأصلي الثابت فوق تغيرات الزمن وفوق التاريخ، المعنى الحقيقي المقصود بمعزل عن دلالته لنا اليوم.

ولكن المشكلة الهرمنيوطيقية في حقيقة الأمر ليست مجرد مشكلة فيلولوجية، ولا يمكن بحال أن تحملنا بضعة تعريفات أرسطية على أن نضرب بكل هذه التطورات الحديثة عرض الحائط، تلك التطورات التي أتت بها نظرية الفهم عند شلايرماخر ودلتاي وهيدجر وجادامر، ناهيك بتلك الإسهامات الرامية إلى تعريف الفهم التاريخي سواء داخل حقل اللاهوت أو خارجه. يزعم هيرش أن المعنى اللفظي منفصل في الحقيقة عن الدلالة ما دمنا نستطيع في واقع الأمر أن نميز ما كان يعنيه المعنى بالنسبة لمؤلفه وما يعنيه بالنسبة لنا، وإلا لاستحال وجود معنى موضوعي قابل للإعادة والتكرار، هذا ما يزعمه هيرش، ولكن هل هذه حجة مقبولة؟ إن حقيقة أن الموضوع الذهني يمكن أن يرى من زوايا عديدة لا يجعل منه شيئا ثابتا أبديا، أما الدعوى القائلة باستحالة الموضوعية إذا تخلينا عن ذلك فهي دعوى «دائرية» أي تقع في «دور منطقي» ما دامت إمكانية المعرفة الموضوعية واللاتاريخية هي ذاتها السؤال، غير أن صواب التمييز بين المعنى والدلالة يتوقف عليه صواب نظرية هيرش بأكملها عن«الصواب»

Validity ! ولكن هل صحيح أن الفهم يعمل بالطريقة الآلية التي يفترضها هيرش؟ أو هل هذا الفصل بين المعنى والدلالة هو عملية تأملية حقا قامت «بعد» فعل الفهم؟ ألا يجوز أن يكون هذا الشكل من الهرمنيوطيقا هو في حقيقة الأمر نقد نصي مقنع، ميثودولوجيا للتمييز تأمليا بين فهم وفهم آخر؟

يقينا أن مثل هذه النظرية الهرمنيوطيقية لا تطرح، بل تفترض مسبقا، نظرية في كيف يحدث الفهم نفسه! (وينبغي أن تسأل عن مدى كفايتها كنظرية في الفهم)، إنها بالأحرى تبدأ بعد الفهم، وكما يلاحظ هيرش: «يبدأ فعل الفهم كتخمين صائب (أو خاطئ)، وليس ثمة مناهج لوضع تخمينات (حدوس) أو قواعد لتوليد استبصارات، إنما يبدأ النشاط الميثودولوجي للتأويل عندما نبدأ في اختبار تخميناتنا ونقدها.» أو كما يقول بطريقة أكثر دقة: «يشتمل مبحث التأويل على كل من حيازة الأفكار واختبارها، ويقوم لا على منهج بناء بل على منطق تحقيق.»

6

فالهرمنيوطيقا عند هيرش لم تعد هي نظرية الفهم بل منطق التحقيق، إنها النظرية التي يتسنى لنا بواسطتها أن نقول: «هذا هو ما كان يعنيه المؤلف وليس ذاك.»

Unknown page