151

Fahm Fahm

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر

Genres

وللمعرفة الذاتية الخاصة بالتأمل الأخلاقي علاقة فريدة مع ذاتها، وبوسعنا أن نرى ذلك من خلال التعديلات التي أجراها أرسطو في سياق تحليله للمعرفة العملية (

) فإلى جانب المعرفة العملية، فضيلة التأمل الحصيف، يقف «الفهم المتعاطف»

Sympathetic Understanding (انظر الأخلاق النيقوماخية، الجزء السادس، قسم 11). ها هنا يدخل «فهم الوجود» كتعديل لفضيلة المعرفة الأخلاقية، ففي هذه الحالة لست أنا من يتعين عليه أن يفعل، يترتب على ذلك أن الفهم المتعاطف يعني، ببساطة، القدرة على الحكم الأخلاقي، فالفهم المتعاطف لشخص ما يستوجب الثناء بطبيعة الحال عندما يضع هذا الشخص نفسه بتمامها في الموقف العيني للشخص الفاعل حتى يحكم عليه، إذن السؤال هنا ليس سؤالا عن المعرفة بصفة عامة بل عن تعينها في لحظة محددة، وهذه المعرفة أيضا ليست بأي حال معرفة تقنية أو تطبيقا لمثل هذه المعرفة، إن الشخص الدنيوي الملم بجميع الحيل والمراوغات والمتمرس بكل ما هو كائن لا يملك في حقيقة الأمر حالة واحدة، وهي أن ينشد هو أيضا ما هو صواب، أي إنه متوحد بالشخص الآخر في هذا الشأن المشترك، والمثال الملموس على ذلك هو ظاهرة إسداء النصح في مسائل الضمير، فالشخص الذي يلتمس النصح والشخص الذي يسديه يفترضان أنهما مرتبطان معا في صداقة، وحدهم الأصدقاء من بوسعهم أن ينصح بعضهم بعضا، أو لنقل بعبارة أخرى: وحدها النصيحة التي قصد بها الود الصادق ما يحمل معنى لدى متلقي النصح. مرة أخرى نكتشف أن الشخص الذي يقوم بعملية الفهم لا يعرف ولا يحكم كفرد يقف بمنأى ومعزل، بل يواكب الآخر في التفكير من منظور رابطة معينة من الانتماء، كما لو كان هو أيضا مشمولا بالموقف ومتأثرا به.

ويتجلى هذا بتمامه عندما ننظر في لونين آخرين من التأمل الأخلاقي أدرجهما أرسطو، وهما البصيرة

Insight

وحس الزمالة، البصيرة هنا تعني صفة أو كيفية، فنقول: إن شخصا ما هو شخص متبصر عندما يصدر حكما صحيحا عادلا، المتبصر هو شخص مهيأ لأخذ موقف الشخص الآخر بعين الاعتبار ومن ثم فهو أيضا أميل ما يكون إلى التسامح أو العفو، ومن الواضح هنا أيضا أن هذه ليست معرفة تقنية.

28

وأخيرا يبين أرسطو بجلاء ووضوح الطبيعة الخاصة للمعرفة الأخلاقية وفضيلة امتلاكها بأن يعرض المسخ الدنيء لهذه المعرفة الأخلاقية، وهو «الدينوس» (الفظيع)

Deinos ، إنه الشخص الذي لديه كل متطلبات المعرفة الأخلاقية وملكاتها، والذي يستطيع بمهارة كبيرة أن يستفيد من أي موقف أقصى استفادة، ولديه القدرة على أن يحول أي شيء لصالحه وأن يجد مخرجا من كل موقف، ولكن هذا النظير الطبيعي للفرونيسيس

يتسم بأنه «قادر على أي شيء»، إنه يستخدم مهاراته من أجل أي غرض دون ضابط أو رابط، وليس من قبيل الصدفة أن يطلق على مثل هذا الشخص اسما يعني أيضا

Unknown page