واذ قد تقرر هذا فنقول : يمكن استفادة الحكم الاول ، وهو كون الكفار مكلفين بالفروع من توجه صريح النهي في « لا يقربوا » اليهم ، فنهوا ان يقربوه ، وهو تكليف لهم.
الا انهم لما لم يكونوا قابلين للخطاب لبعدهم عن ساحة عز الحضور ، خص المؤمنين به تنبيها على ذلك ، فالمؤمنون يبلغون ذلك النهي اليهم ، ويقولون : انتم انجاس ، والانجاس لا يجوز دخولهم المسجد ، والتكليف لا يستلزم كون المكلف مخاطبا به خطاب مشافهة ، بل يجوز ان يخاطب اخر بتبليغه الى المكلف ، كما في كثير من التكاليف الشرعية ، ويدل عليه قول علي عليه السلام حين نادى ببراءة الا يحج بعد عامنا هذا مشرك.
وأما استفادة الحكم الثاني ، وهو عدم تمكين المؤمنين لهم من النهي ، فمبني على جعله من باب الكناية ، كما في « يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان » (1) نهاه عنه ، والمراد نهيهم عن اتباعه والافتتان به ، لانهم لو اتبعوه لامتحنهم ، والكناية لا تنافي الحقيقة ، فيجوز ارادة المعنى وهو نهي المشركين ان يقربوه ، مع ارادة لازمه ، وهو نهي المسلمين عن تمكينهم منه ؛ لانه لو مكنوهم لدخلوه ، كما كانوا يدخلونه.
والفرق ان ارادة اللازم اصل ، وارادة المعنى تبع ، كما أومأنا اليه ، وذلك غير ارادة مجموع المعنيين ، بل ارادة كل واحد منهما معا ، كما بين في الاصول.
لا يقال : ان اللفظ اذا دل بأقوى الدلالتين لا يدل بأضعفهما ؛ لان القوة والضعف متنافيان.
لانا نقول : لا نسلم ذلك ، وانما يكون كذلك لو كانت الدلالة الضعيفة والقوية من جهة واحدة ، وهما فيما نحن فيه ممنوع ، ضرورة انهما من جهتين مختلفتين : احداهما بالمطابقة ، والاخرى بالالتزام.
Page 115