171

Din Insan

دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني

Genres

إن الزمن يتسارع أو يتباطأ تبعا لسرعة الجملة الفيزيائية المتحركة بالنسبة إلى جملة فيزيائية أخرى. لنفترض في مثال المركبتين أنهما انطلقتا في توقيت واحد من قاعدة الانطلاق، ثم حافظتا بعد ذلك على سرعة نسبية بينهما مقدارها صفر. في هذه الحالة، فإن الساعة الحائطية المعلقة في كل مركبة تشير إلى التوقيت نفسه. فإذا زادت السرعة النسبية بين المركبتين، فإن الأمر العجيب الذي يحدث هو اختلاف التوقيت في ساعة كل مركبة عن الأخرى؛ فالزمن سوف يبطئ في واحدة ويبقى على حاله في الأخرى. والأعجب من ذلك أن طاقم كل مركبة سوف يجد أن ساعته هي الدقيقة، وأن الأخرى هي التي تبطئ . فإذا فرضنا أن السرعة النسبية بينهما وصلت إلى 150000كم/ثا، ونظر طاقم ب إلى ساعة المركبة أ التي تجتازه، لوجد أنها أقل بست دقائق، وإذا زادت السرعة إلى 270000كم/ثا، وجد طاقم ب أن ساعة أ قد أبطأت بمقدار النصف تماما. وهذا ما تبينه المعادلة الخامسة من معادلات النسبية الخاصة.

ومن خصائص هذه المعادلة الخامسة المتعلقة بالزمن أن نتائجها تسير في اتساق تام مع نتائج المعادلة الأولى المتعلقة بانكماش الطول؛ فالزمن في المعادلة الخامسة يتغير بالنسبة إلى السرعة، بنفس «العامل الرياضي» الذي يتغير وفقه الطول بالنسبة إلى السرعة، بحيث يغدو الزمن صفرا في المركبة أ عندما يغدو طولها صفرا أيضا. وهذا يعني وجود صلة عميقة جدا بين المكان الثلاثي الأبعاد الذي نعيش ضمنه وبين الزمن، وأن هذه الأبعاد لا وجود لها من دون الزمن؛ لأنه البعد الرابع للوجود الفيزيائي، وهو كم فيزيائي مثله مثل الطول والعرض والعمق. إن الإنجاز الأكبر للنسبية الخاصة هو ضم العناصر الأربعة للكون في عنصرين؛ فبدلا من الزمان والمكان والطاقة والكتلة، صار لدينا زمان-مكان وكتلة-طاقة.

غير أن أينشتاين لم يكن راضيا تماما عن إنجازه في نظرية النسبية الخاصة؛ لأنها ركزت على حركات الأجسام التي تسير بسرعات ثابتة، وأغفلت حركة الأجسام المتسارعة بإغفالها لمبدأ التثاقل (أو الجاذبية). وهذا ما تداركه أينشتاين بعد ذلك بعشر سنوات، عندما نشر في عام 1915م نظريته في النسبية العامة.

وجد أينشتاين من خلال المعادلات الشديدة التعقيد للنسبية العامة أنه لا يوجد في الكون شيء اسمه قوة الجاذبية بالمفهوم النيوتوني. أما ما يتبدى على أنه قوة تثاقل بين الأجسام، فليس إلا نتيجة لانحناء المتصل الزماني المكاني (= الزمكان) حول الكتلة السابحة في الفضاء؛ أي إن المكان (= الفضاء) ليس متصلا متماثلا ومتشابها في جميع أرجاء الكون، بل إنه يتحدب حول الكتل المتأثرة في أرجائه. ولو قيض لعين بصيرة أن ترى الفضاء من خارج الكون، لوجدته أشبه بمادة هلامية تتكاثف حول النجوم والأجرام، ويزداد هذا التكاثف كلما ازدادت كتلة الجرم الذي يحيط به الهلام . فالفضاء يتحدب حول الشمس أكثر من تحدبه حول الأرض، ويتحدب حول الأرض أكثر من تحدبه حول القمر. هذا التحدب حول الكتل الكبيرة هو الذي يفسر دوران الكواكب حول الشمس في نظامنا الشمسي والأنظمة الشبيهة به؛ ذلك أن التحدب الشديد للزمكان حول الشمس يجبر الأجرام من حولها على الطواف في مدارات إهليلجية، هي أشبه بأخاديد محفورة في المتصل المنحني، حددتها طبيعة الفضاء المتحدب الرباعي الأبعاد. كما أن التحدب حول الجرم لا يؤدي فقط إلى إجبار الأجرام الأصغر على الدوران حوله، بل إلى إجبار الضوء القادم إليه على الانحناء أيضا وإن بدرجة أقل. وقد تم التأكد من انحناء الضوء عند كوكب الأرض، من خلال تجربة معروفة شهيرة، من التجارب التي تمت لإثبات صحة النسبية العامة.

أكتفي بهذا القدر من شرح النظرية النسبية، وأعود إلى فيزياء الجسيمات ذات الطاقة العالية، حيث توقفت.

إن اكتشاف الفيزياء لحقيقة أن الكتلة ليست إلا شكلا من الطاقة، قد أدى إلى إحداث تغيير أساسي في نظرتنا إلى الجسيم؛ فبما أن المادة لم تعد مرتبطة بجوهر مادي، فإن الجسيمات قد بدت الآن على حقيقتها كرزم من الطاقة لا كجواهر مادية. وبما أن الطاقة هي فعل ونشاط وعمليات جارية أبدا، فإن الجسيمات بالتالي ذات طبيعة حركية دينامية لا سكونية. إن القران بين النسبية ونظرية الكم يقودنا إلى تصور الجسيمات من منظور نسبوي، في إطار ينحل ضمنه الزمان والمكان إلى متصل ذي أبعاد أربعة، والتحول نهائيا عن تصورها كعناصر مادية سكونية في أبعاد ثلاثة، مثل حبات رمل مرصوصة. عند ذلك فقط سوف تبدو لنا على حقيقتها كأشكال في الزمان وفي المكان، وكأنماط دينامية ذات وجه مكاني وآخر زماني. فالوجه المكاني يجعلها تبدو كأشياء ذات كتلة معينة، والوجه الزماني يجعلها تبدو كعمليات جارية تشتمل على الطاقة المعادلة لتلك الكتلة المكانية. إن هذه الأنماط الدينامية، أو رزم الطاقة، هي التي تشكل البنية الذرية والجزيئية المستقرة للمادة المرئية، وتعطيها شكلها الصلب، الذي يجعلنا نظن بأنها قد صنعت من جوهر مادي ثابت. أما في الأعماق السفلى لهذا المظهر المرئي الصلب، فلا تواجهنا سوى أنماط دينامية، تتحول بعضها إلى بعض في رقصة أبدية للطاقة هي جوهر الوجود.

لقد قادت فيزياء الجسيمات خلال الأربعين سنة الأخيرة، إلى اكتشاف ما يزيد من المائة نوع من أنواع الجسيمات الأولية، وجميعها ليس في الواقع «أوليا» بالمعنى الأصلي لهذه الكلمة، معظم هذه الأنواع لا يعيش بعد تخليقه في المسارعات النووية أكثر من جزء أو بضعة أجزاء من مليون جزء من الثانية الواحدة. ويمكن تمييز كل نوع من خلال خصائص ثلاث، هي: الكتلة، والشحنة، واللف (=

spin )؛ أي الدوران الذاتي على محور وهمي. تحسب كتلة الجسيم انطلاقا من حالته السكونية التي تدعى بكتلة السكون

rest mass ؛ لأن كتلته بعد ذلك تتغير تبعا لسرعته. أما شحنة الجسيم فهي إما سالبة وإما موجبة وإما حيادية . وأما معدل اللف فأساسي جدا لتمييز شخصية الجسيم، إلى درجة أن تغيير هذا المعدل يؤدي إلى تدميره تماما. وهنا يجب أن نضع نصب أعيننا بأن مسألة اللف، مثلها مثل مسألة الحركة، هي شأن اصطلاحي؛ لأنه كما أن الجسيم ليس حبيبة مادية تتحرك في الفضاء، كما أسلفنا، فإنه ليس حبيبة مادية ذات معدل لف ثابت. وعلى حد قول الفيزيائي ماكس بورن فإن: «لف الجسيمات دون الذرية يتضمن فكرة اللف، دون أن يكون هناك شيء يلف.»

13

Unknown page