81

Darajat Sitt

الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك

Genres

هناك الكثير من الاختلافات بين هذين المثالين، لكن أكثر هذه الاختلافات ملاءمة لهذه المناقشة هو أنه في إيثاكا، تتسم شبكة العملاء والباعة باتصالها الوثيق، مما يمكنها من تحقيق الاستمرارية لنفسها، وعلى النقيض، تتسم منطقة الجانب الغربي العلوي من مانهاتن باندماجها الوثيق مع باقي نيويورك، ومن ثم لا يرى أحد مصلحة في التعامل بالبديل المحلي للنقد، لكن لو كانت البطاقات النقدية قد انتشرت بالجانب الغربي العلوي، لبدا من المعقول أن ينتشر هذا الابتكار - على عكس «إيثاكا آورز» - للسبب نفسه بالضبط الذي فشل نتيجة له. ومرة أخرى، يبدو أن نجاح أحد الابتكارات يتطلب تبادلا بين التعزيز المحلي والاتصال العالمي، وهذا المتطلب يجعل العدوى الاجتماعية أصعب كثيرا في فهمها من العدوى البيولوجية التي يكون فيها الاتصال هو الأهم.

بعد قدر لا بأس به من البحث غير المثمر، سلمت بأنه مع بساطة نموذج الحدود، كان لا بد من تبسيطه أكثر إذا كنت أرغب في استبعاد التعقيدات التي يتسم بها الهيكل الجماعي من مفهوم السلاسل التي تنتشر عبر شبكات الارتباط؛ لذا قررت البدء بشبكة ليس بها أي هيكل جماعي على الإطلاق: رسم بياني عشوائي. ومع أن الرسوم البيانية العشوائية ليست نماذج جيدة تماما للشبكات الاجتماعية الحقيقية، فهي مع ذلك نقطة جيدة للبدء بها. وعاهدت نفسي بأنني ما دمت لا «أقتصر» على الرسوم البيانية العشوائية، فسيكون من الجيد استخدامها نقطة انطلاق لاستكشاف التمثيلات الأكثر واقعية للشبكات، وكما سنرى، تصبح الأمور أكثر تعقيدا حتى مع الرسوم البيانية العشوائية نفسها، لكن يظل بإمكاننا تعلم بعض الدروس العامة المذهلة منها.

نظرا لأن النسخة الفنية لنموذج الحدود تجريدية إلى حد ما، فسيكون من المفيد استخدام مصطلح «انتشار الابتكارات» المنطقي، الذي قدمه إيفريت روجرز في ستينيات القرن العشرين. ومع أن كلمة «ابتكار» ترتبط عادة بطرح تقنيات حديثة، يمكن استخدام المفهوم للإشارة إلى الأفكار والممارسات كذلك، ومن ثم يمكن أن يكون الابتكار عميقا للغاية، مثل فكرة حديثة ثورية أو مبدأ اجتماعي جديد يدوم لأجيال، أو قد يكون تافها تماما، كدراجة الأرجل (السكوتر) أو أحد تصميمات الأزياء التي لن تحظى بشعبية إلا لموسم واحد فقط. يمكن أن يكون أي شيء بين هذا وذاك فعليا، بما في ذلك العقاقير الطبية الجديدة، وتقنيات التصنيع الحديثة، ونظريات الإدارة الحديثة، والأجهزة الإلكترونية الجديدة. وبناء عليه، يمكن استخدام مصطلح «المبتكرون» للإشارة ليس فقط إلى الأفراد الذين يقدمون أجهزة حديثة، بل أيضا إلى مؤيدي الأفكار الجديدة، أو بصورة أعم، أي صدمة بسيطة تهز كيان أي نظام اتسم فيما مضى بالسكون. وتشمل عبارة «المعتنقون الأوائل»، التي تستخدم غالبا لوصف الأفراد الذين يتبنون أي خدمة أو منتج جديد، ويرشحونه للآخرين، جميع الرواد والمناصرين وأتباع الثائرين أيضا. والمعتنقون الأوائل، كهواة التقنية في وادي السليكون، ليسوا سوى أفراد كان لهم أسبقية التأثر بأحد المنبهات الخارجية.

ومع ما تثيره مفردات روجرز من أفكار، فهي ليست دقيقة بما يكفي لتجنب الالتباس. على سبيل المثال، قد يكون من الصعب تحديد هل الأفراد تبنوا فكرة جديدة لأنهم كانوا أكثر ميلا لها مسبقا بطبيعتهم (لديهم حد منخفض)، أو لأنهم كانوا عرضة لتأثيرات خارجية قوية للغاية (تصادف وجود أعداد كبيرة من المعتنقين السابقين للفكرة في الحي الذي يقطنون به). قد يبرر أي من هذين التفسيرين الاعتناق المبكر للفكرة، لكن كلا منهما يحمل معنى ضمنيا مختلفا تماما فيما يتعلق بالأفراد قيد البحث. في أغلب الأحيان، نقبل ببساطة أن مصطلحات من قبيل «المبتكرون» و«المعتنقون الأوائل» تحمل معاني غير موضوعية، ونستخدمها بأي وسيلة تناسب هدفنا وقت استخدامها، لكن نظرا لأن لدينا إطارا رياضيا دقيقا نستعين به في عملنا، يمكن أن نقدم ما هو أفضل، وإذا أردنا تحقيق أي تقدم، فسوف نحتاج إلى ذلك.

لذا، من الآن فصاعدا، سيشير مصطلح «المبتكر» إلى نقطة تلاق تشهد نشاطا عشوائيا في بداية «دورة الابتكار». عندما تبدأ الدورة، تكون كل نقطة تلاق غير نشطة (خاملة)، ثم يحفز الابتكار عن طريق الاختيار العشوائي لنقطة أو أكثر (تمثل البذرة الأولى) بحيث تنشط (تتحول إلى وضع التشغيل)؛ هؤلاء هم المبتكرون. يمكن الآن أيضا تعريف «المبتكر المبكر» بأنه نقطة تلاق تتحول من حالة الخمول إلى النشاط تحت تأثير جار واحد نشط. نظرا لرغبتنا في فهم سرعة تأثر الشبكات بالسلاسل، نصف نقاط التلاقي التي تمثل المعتنقين الأوائل في هذه الحالة بالتحديد بأنها «سريعة التأثر»؛ إذ يمكن تنشيطها بأقل قدر ممكن من التأثير من نقاط التلاقي المجاورة لها في الشبكة. تكون كل نقاط التلاقي الأخرى في هذه الأثناء «مستقرة» (مع أن هذه النقاط المستقرة أيضا - كما سنرى فيما بعد - يمكن تنشيطها في ظل الظروف المناسبة)؛ لذا يمكن أن تتسم نقاط التلاقي بسرعة التأثر على أي من النحوين التاليين: إما لأن لها حدا منخفضا (ومن ثم ميلا مسبقا للتغير)، أو لأن عدد نقاط التلاقي المجاورة لها قليل للغاية، لكن كلا منها له تأثير قوي.

في الواقع، يمكن أن يكون للمعتنقين الأوائل أي حد على الإطلاق، ما دام لديهم عدد قليل كاف من المجاورين. قد يبدو هذا فارقا غريبا، لكنه جدير بالفهم؛ لأنه يغير توجهنا في تناول المشكلة بالكامل، فبدلا من الحكم على المعتنقين الأوائل في ضوء حدودهم، يمكننا التركيز على درجتهم التي - كما أوضحنا في الفصل

الرابع - تشير إلى عدد المجاورين لهم. على سبيل المثال، في الشكل

8-4 ، لنفترض أن الحد الخاص بنقطة التلاقي (أ) يبلغ الثلث. في الجزء العلوي يوجد للنقطة (أ) ثلاث نقاط تلاق مجاورة، إحداها نشطة، ونظرا لأن هذه النقطة الوحيدة النشطة تشكل ثلث عدد النقاط المجاورة للنقطة (أ)، يتم الوصول إلى حد النقطة (أ) وتنشط، ومن ثم يصير (أ) معتنقا أولا. على النقيض من ذلك، في الجزء السفلي، تمتلك النقطة (أ) الحد نفسه، لكن لديها هنا أربع نقاط تلاق مجاورة بدلا من ثلاث، ونظرا لأن النقطة النشطة الوحيدة المجاورة لها لا تشكل الآن سوى ربع مجموع النقاط المجاورة، فلن تنشط النقطة (أ)، ومن ثم يمكن أن يكون حد الثلث، اعتمادا على درجته، منخفضا بما فيه الكفاية لتصبح النقطة (أ) معتنقا أولا، أو لا. بعبارة أخرى، يمكن القول إنه في حالة حد الثلث، تكون «الدرجة العليا الحرجة» لنقطة التلاقي (أ) هي ثلاثة، حيث تتحدد هذه الدرجة بوصفها الحد الأقصى لعدد النقاط المجاورة التي يمكن أن تمتلكها نقطة تلاق واحدة، ويظل من الممكن تنشيطها بواسطة «أي» نقطة مجاورة، وإذا كان حد النقطة (أ) أقل من ذلك (الربع، مثلا)، فسترتفع الدرجة العليا الحرجة (أربعة)، والعكس. الجدير بالذكر هنا هو أنه فيما يتعلق بأي حد، يمكننا دائما تعيين درجة عليا حرجة مكافئة ، وإذا كان لدى نقطة التلاقي عدد من النقاط المجاورة أكبر من الدرجة العليا الحرجة لها، فستكون مستقرة أمام تأثيرات النقاط المجاورة الفردية، وإن لم يكن الأمر كذلك، فستكون سريعة التأثر؛ لذا فإن تغير الدرجة - مثل الملاحظة التي أوضحناها من قبل بأن بعض الناس لديهم عدد أكبر من الأصدقاء أو يلتمسون ببساطة عددا أكبر من الآراء مقارنة بالآخرين - أمر محوري لاستقرار الأفراد، ومن ثم لديناميكيات السلاسل.

شكل 8-4: لأي حد من الحدود، يمكن تنشيط أي نقطة تلاق بواسطة نقطة مجاورة واحدة إذا كانت درجتها أقل من الدرجة العليا الحرجة المكافئة لحدها أو مساوية لها. يكون هنا لنقطة التلاقي (أ) حد الثلث، ومن ثم يكون مقدار الدرجة العليا الحرجة هو ثلاثة. في الجزء العلوي تمتلك النقطة (أ) ثلاث نقاط تلاق مجاورة، ومن ثم تنشط، أما في الجزء السفلي، فلديها أربع نقاط تلاق مجاورة، ومن ثم تظل غير نشطة. (4) السلاسل والتخلل

في ظل هذا الإطار، يمكن الآن تحديد مسألة ظهور سلسلة المعلومات داخل مجموعة من صانعي القرار من عدمه تحديدا دقيقا. في شبكة الأفراد التي ننتمي إليها، يكون لكل فرد حد داخلي ومجموعة من المجاورين بالشبكة ينتبه إليهم. في بداية أي دورة ابتكار، يطرح ابتكار واحد في مكان ما داخل الشبكة، ثم لا بد أن يحدث أحد الأمرين التاليين قبل انتهاء الدورة: إما أن يختفي الابتكار تدريجيا، أو ينفجر ليصبح سلسلة معلومات.

Unknown page