78

Darajat Sitt

الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك

Genres

الحدود والسلاسل وقابلية التنبؤ

أذكر أنني أخبرت ستيف بشأن سلاسل المعلومات في مؤتمر الرابطة الأمريكية للنهوض بالعلم في عام 2000 في واشنطن العاصمة، حيث ألقى هاريسون وايت خطابه عن السياقات الاجتماعية، الذي دفعنا لبدء العمل على مشروع شبكات الارتباط مع مارك، وأثناء تجولنا بأرجاء حديقة الحيوان الوطنية صبيحة أحد أيام الآحاد الباردة في انتظار استيقاظ القردة من نومها، اتفقنا على أن إحدى أكثر السمات الخادعة لمشكلة السلاسل تتمثل في اتسام النظام معظم الوقت بالاستقرار التام، حتى في وجه الصدمات الخارجية المتكررة، لكن بين الحين والآخر، ولأسباب لا تبدو واضحة مسبقا أبدا، تتجاوز إحدى هذه الصدمات الحدود على صورة سلسلة.

يبدو أن العامل المحوري في أي سلسلة هو أنه عندما يتخذ الأفراد قراراتهم، بشأن كيفية التصرف أو بشأن ما يشترونه، فهم يتأثرون ليس فقط بماضيهم ومداركهم وتحيزاتهم، بل أيضا بعضهم ببعض، ومن ثم لا يمكن فهم السلوك الجمعي، بدءا من الصيحات الجديدة وصولا إلى الفقاعات المالية، إلا من خلال استيعاب ديناميكيات القرارات مع المؤثرات الخارجية عليها. ومرة أخرى، تكمن في أعماق المشكلة شبكة؛ تلك الشبكة المتشعبة من الإشارات والتفاعلات التي ينتقل من خلالها المؤثر من شخص لآخر. وقد فكرت أنا وستيف، فيما بيننا، كثيرا بشأن الكيانات المعدية التي تنتشر عبر الشبكات، لكن ما ورد على ذهننا أغلب الوقت هو أن ما نتحدث عنه هو الأمراض البيولوجية؛ كنقص المناعة البشرية والإيبولا، أو فيروسات الكمبيوتر. أجرينا بعض الدراسات - كجزء من بحثي لرسالة الدكتوراه - عن نشوء التعاون في شبكات العالم الصغير وعن حالة خاصة تعرف باسم «نموذج المقترعين» (وهي حالة مشابهة لمسألة الارتفاع الحاد لمستوى الصمت التي درستها نويل-نيومان)، لكننا لم نفكر آنذاك في أي من هاتين المشكلتين باعتبارهما مرتبطتين بالعدوى.

الآن يبدو جليا أن العدوى في أي شبكة تمثل عنصرا محوريا لظهور التعاون أو بروز إحدى فقاعات السوق، شأنها في ذلك شأن تفشي وباء نتيجة لمرض ما، لكنها ليست النوع نفسه من العدوى. وهذه النقطة مهمة للغاية؛ لأننا عادة عندما نتحدث عن مشكلات العدوى الاجتماعية نستخدم مفردات الأمراض، فنصف الأفكار بأنها «معدية»، وصور انتشار الجريمة بأنها «وبائية»، ووسائل الوقاية من مخاطر السوق بإقامة «مناعة» ضد الأزمات المالية. ما من شيء خاطئ في هذه الصفات، عند النظر إليها كاستعارات؛ فهي، في نهاية المطاف، جزء من المخزون اللغوي، وكثيرا ما تعبر عن الفكرة العامة بوضوح. لكن يمكن أن تكون الاستعارات مضللة؛ لأنها توحي أيضا بأن الأفكار تنتشر من شخص لآخر بالطريقة ذاتها التي تنتشر بها الأمراض؛ أي إن كل صور العدوى متشابهة جوهريا، وهذا غير صحيح، وبوسعنا أن ندركه عندما نفكر ثانية في الجوانب النفسية لصنع القرار. (1) نماذج حدود القرارات

تصور نفسك في إحدى تجارب سولومون آش، ومعك سبعة أفراد آخرين، تلقى بعضهم تعليمات بالإجابة عن السؤال الذي سيطرح عليهم إجابة صحيحة، وهي (أ )، في حين يجيب البعض الآخر الإجابة الخاطئة، (ب)، عن عمد. لست على علم بذلك، لكن لا أهمية لذلك في البداية؛ لأنك ما إن تر الشريحة حتى تثق تماما أن الإجابة هي (أ). لكن قبل أن تتمكن من التعبير عن رأيك، عليك أن تنتظر أن ينطق الآخرون جميعا بإجاباتهم، وفي تلك الأثناء من الجائز أن تغير رأيك. تصور الآن أن ستة من بين الأفراد السبعة قد صوتوا للإجابة (أ)، الأمر الذي يعزز رأيك، في حين صوت شخص واحد للإجابة (ب). ذلك الشخص أحمق بالطبع، وسيسخر منه الجميع، وما من سبيل لتغير رأيك، وإذا صوت شخصان للإجابة (ب)، فمن المحتمل ألا يتغير شيء؛ فستظل الأغلبية داعمة لرأيك الطبيعي، ومن ثم ليس هناك سبب لتشك في نفسك، أما إذا صوت ثلاثة أو أربعة أشخاص للإجابة (ب)، فربما يبدأ القلق في التسرب إلى نفسك. ما الذي يحدث؟ كيف يمكن لمجموعة من الناس أن تنقسم على نفسها إلى هذا الحد بشأن أمر على هذا القدر من الوضوح؟ ما الذي غفلت عنه؟ قد تظن حينها أنك لست على يقين تام، وإن كنت عديم الثقة بالذات، فقد تغير رأيك، لكن ربما تكون واثقا حقا من إجابتك، فلا يزعزعك شيء عن قرارك. حسنا، والآن ماذا إذا صوت خمسة أفراد للإجابة (ب)، أو ستة، بل ماذا إذا أجاب الأفراد السبعة جميعهم بتلك الإجابة؟

ما المرحلة التي سينهار عندها يقينك؟ ما المرحلة التي ستعلن فيها إذعانك ذهنيا وتسلم فيها بأنك لا تستوعب ما يفهمه الآخرون جميعا؟ ربما لن تفعل ذلك أبدا؛ فبعض الناس لا يغيرون رأيهم مطلقا، لكن في المواقف التي نحمل فيها شكا ما في نفوسنا، حتى لو كان بسيطا للغاية، يفعل أغلبنا ذلك؛ هذا بالتأكيد ما أشارت إليه تجارب آش. وعند دراسة النتائج التي توصل إليها آش بمزيد من التعمق نكتشف أمرا أكثر إثارة؛ فقد أثبت، بتغيير عدد الناس في الغرفة، أن نزعة الخاضعين للتجربة للموافقة على رأي الأغلبية كانت مستقلة إلى حد بعيد عن العدد المطلق للأفراد ، فلم يكن مهما هل ثلاثة أفراد أم ثمانية أجابوا إجابة معينة؛ المهم أنهم أجمعوا عليها. الأمر الثاني الذي لاحظه آش أنه في حال ظهور أي صدع بسيط في حائط الإجماع هذا - أي إذا تلقى فرد واحد من الأغلبية تعليمات بأن يجيب إجابة صحيحة، ومن ثم يتفق مع الشخص الخاضع للتجربة - فسوف تعود إليه ثقته في الغالب، ومن ثم يشهد معدل الأخطاء تراجعا حادا.

تكشف هذه التنويعات حول نتيجة آش الرئيسية عن بعض المعاني الخفية المهمة للقاعدة العامة التي تنص على أن الكائنات الاجتماعية تعير بعضها بعضا اهتماما عند اتخاذ القرارات؛ أولا: ليس العدد المطلق لمن يتخذون خيارا معينا هو الذي يلزم المرء باتباع نهجهم، بقدر ما هو العدد النسبي، أو الجزئي، من الناس الذين يفضلون أحد البدائل على غيره. ولا يعني ذلك أن حجم العينة لا علاقة له بالأمر، فإذا التمست القليل فقط من الآراء قبل اتخاذ قرار ما، فسوف يحمل كل رأي قيمة أكبر مما إذا التمست آراء الكثير من الناس، لكن ما إن يحدد عدد المجاورين لك، ويعرض الخيار؛ الخيار (أ) في مقابل الخيار (ب)، يكون العدد «النسبي» للمجاورين لك ممن يختارون (أ) بدلا من (ب) هو الدافع وراء قرارك. ثانيا: يمكن أن يكون للتغيرات الطفيفة في نسبة المجاورين لك ممن يتخذون خيارا واحدا بدلا من الآخر تأثير هائل على قرارك النهائي. على سبيل المثال، عندما نسمع شائعة ملفقة، قد نرغب عن تصديقها، لكننا عندما نسمع الشائعة نفسها من مصدر ثان، وربما ثالث، نميل في مرحلة ما للانتقال من الشك إلى القبول (ربما على مضض)، ومرة أخرى نتساءل: كيف يمكن لهذا العدد الكبير من الناس أن يجانبهم الصواب؟

ومن ثم، مع أن اتخاذ قرار ما يمكن اعتباره نوعا من «الإصابة بعدوى» فكرة معينة، فإن آلية العدوى هنا مختلفة تماما عن العدوى بمرض ما؛ ففي الأمراض ينطوي التعرض لشخص واحد مصاب بالعدوى على القدر نفسه من احتمالية الإصابة مهما يكن عدد حالات التعرض غير الناجحة التي حدثت قبل ذلك . بعبارة أخرى، تحدث حالات العدوى بالأمراض على نحو «مستقل» بعضها عن بعض. على سبيل المثال، في حالة الأمراض المنقولة جنسيا، إذا أقام شخص ما علاقة جنسية مع آخر مصاب بالعدوى، وحالفه الحظ في ألا يصاب بها، فإن احتمالية تجنبه للضرر في المرة التالية التي يتعرض فيها هذا الشخص للعدوى، لن تزيد أو تقل؛ فكل مرة مستقلة بذاتها. يعرض الشكل

8-1

رسما بيانيا يعكس الاحتمالية المتزايدة للإصابة بالعدوى، ومع أن هذه الاحتمالية تكون ثابتة في حالة الأعداد الكبيرة من المتجاورين المصابين بالعدوى، فمع كل حالة تعرض إضافية تزيد الاحتمالية الكلية لتعرض الأعداد الصغيرة للعدوى بالقدر نفسه تقريبا.

Unknown page