للدوافع المرئية للضمير تاريخ طويل، حيث تصف صور صلب المسيح التي ترجع لأواخر القرون الوسطى بالإضافة إلى التراث المشابه في فن الباروك وفن أمريكا الجنوبية بالتفصيل الدقيق معاناة المسيح من أجل التماس رد فعل إنساني نادم. وغالبا ما كانت تلك الصور تجعل مطالبها أكثر وضوحا بالنسبة للمشاهد عن طريق المزج بين وسائل العرض، بإضافة القصائد والكتابات التي تخبر المشاهد بأن تلك الآلام قد احتملت لأجله، ومطالبته بإصلاح نفسه. وقد زينت قنطرة المذبح في العديد من كنائس القرون الوسطى برسوم تصور مشاهد الصلب تبدو فيها عينا المسيح المصلوب - على نحو مدهش - كما لو كانتا تنظران مباشرة إلى رعايا الكنيسة كل على حدة، داعية كلا منهم إلى اتخاذ رد فعل شخصي تجاه المعاناة المصورة فيها. وقد سعى كل من جويا وبارلاخ وكولويتز وديكس ومجموعة من الفنانين التشكيليين الآخرين إلى استثارة الضمير وإثارة المشاعر السلمية عن طريق تصويرهم السخي لفظائع الحروب.
تتقاسم رؤية صليب منحوت أو لوحة جدارية أو نقش أساسا مشتركا مع استقبال صورة فوتوغرافية أو أي صورة سينمائية أو رقمية أخرى، لكن الإنتاج الميكانيكي والإلكتروني يثير أيضا قضايا جديدة متعلقة بالكثافة والسرعة و«المقياس» المجرد. وقد حسنت الأشكال الجديدة من التوافر والكمية وسهولة الإنتاج كثيرا من حالة الصورة المرئية بوصفها منتجا للضمير وحافزا له. فالصور التي تلتقط بواسطة الهاتف المحمول تنتشر حول العالم في دقائق أو ثوان معدودة، ولا يمكن التنبؤ بتأثيرها لكنه قد يكون ضخما.
وتتفق تلك السرعة والوفرة في الإنتاج وسرعة التأثير تماما مع رؤية للضمير طالما كانت حاضرة ضمنيا، لكنها حققت هيمنة إضافية في القرون القليلة الأخيرة: أنه لا يعبر عن نفسه في صورة تفكير هادئ لكن في لحظة خاطفة من البصيرة المفاجئة المدركة بالحدس. وعلى العكس من منظر مثل جوزيف بتلر - الذي رأى في القرن الثامن عشر أن الضمير ناتج عن التفكير الجيد في «ساعة هدوء» - رأى آخرون أن الضمير ملكة فطرية أو غريزية، مفاجئة في مخاوفها، وقاطعة في مطالبها، فعلى سبيل المثال مرت بطلة لوحة هولمان هانت المسماة «يقظة الضمير» بالتأكيد بهذه الهجمة من ضميرها. وتعد وسائل الإعلام الحديثة التي تتدفق فيها الصور فجأة ثم تختفي فجأة بالطبع متجانسة تماما مع تلك الرؤية للضمير بوصفه قناعة أكثر تسرعا (مع أنها ليست أقل يقينا).
تشترك الصور أو الصور الفوتوغرافية، حتى الإلكترونية التي تنتشر بسرعة البرق من الهاتف المحمول إلى الشاشة مع الصوت والكلمة في القدرة على استدعاء رد فعل طبقا لما يمليه الضمير. وفي بعض الحالات قد يكون ما تستدعيه الصورة ناتجا عن هدف ما - سواء هدف المتحدث أو المؤلف أو المصور الفوتوغرافي الوثائقي. فعلى سبيل المثال، يصف روبرت كولز الدافع الوثائقي بأنه راسخ في ضمير المصور الفوتوغرافي الوثائقي، مثل جيمس أجي «الذي يشعر بالإثارة والتحدي نتيجة أوامر كل من وعيه الفني وضميره ومطالبهما». وهو يصف آلة التصوير بأنها «سلاح» و«أداة» و«استدعاء للخدمة» تستخدم كلها ببراعة بواسطة مصور فوتوغرافي له هدف معين ويحركه الضمير. لكن الصورة الفوتوغرافية فور التقاطها ونشرها تصبح لديها قدرة هائلة على الانفصال عن الهدف منها، أو حتى إذا أبدت هدفها الأصلي فلديها القدرة على العمل باستقلالية عن ذلك الدافع. ويتخيل المنظر المعاصر إم جيه تي ميتشل أعمالا فنية لها رغبات مستقلة ولها أغراض معينة من مشاهديها ولها نوع خاص من «تأثيرات ميدوسا». وكما يدرك ميتشل، فإن المصور الفوتوغرافي أيا كان هدفه يترك الصورة الفوتوغرافية كي تقوم بعملها. ويعد هذا صحيحا بالطبع أيضا بالنسبة للحديث فور أن يقال والكتاب فور أن يكتب، لكن الصورة التي تنتشر في الحال بسرعة البرق حول العالم يقل ارتباطها أكثر بأهداف صانعها. وأيا كانت نية صانعها، فسوف تقبل الصورة في نهاية الأمر - أو لا - نتيجة لرد فعل المشاهدين. وهكذا يتلقى صوت الضمير إضافة مهمة من وسائل الإعلام المطبوعة والأحدث من ذلك ... لكنه أيضا يواجه خطر التغيير أو حتى الذوبان أثناء تلك العملية.
خفوت صوت الضمير: أبو غريب
ثمة نموذج معاصر على كبت الضمير في صورة تقترب على نحو خطر من إخراسه التام يتمثل في التقارير الخاصة بالفظائع التي ارتكبت في سجن أبو غريب. فقد عمدوا إلى استخدام التسجيلات الصوتية والصور والمطبوعات، لكن بتأثير مشوه طوال الوقت.
شكل 5-2: سابرينا هارمان تشير بإصبعها بعلامة التشجيع بجانب جثة المعتقل مناضل الجمادي في سجن أبو غريب.
2
فلنأخذ مثلا حالة سابرينا هارمان، وهي السيدة التي التقطت معظم صور أبو غريب، وتظهر أيضا في العديد من تلك الصور مؤدية حركتها الشهيرة (الإشارة بإبهامها للأعلى علامة على التشجيع) بجوار الجثث الممثل بها. وعند تقديم هذه الحالة للبحث، تبدو كما لو كانت تقترب من حالة تطرقنا إليها بإيجاز عدة مرات خلال هذا الكتاب، وهي حالة شخص بلا ضمير. لكن هارمان تظهر نفسها بأنها صاحبة ضمير معاصرة، فما زالت تزعجها العديد من صوره، كما أنها ما زالت تشعر بالضيق في حالتها عديمة الضمير.
لم تكن صورها بالطبع نتيجة لأي مبادرة مبنية على الضمير إطلاقا، بل كانت دوافعها توثيقية - لا على طريقة كولز أو أجي بالطبع - بل بنفس الطريقة التي تسعى بها صور الحفلات التي يجري تحميلها على موقع الفيس بوك إلى توثيق لحظات المرح الصاخب والأفعال الفاضحة، أو بالطريقة التي يتداول بها طلاب المدرسة الثانوية الآن الصور الخليعة على الهواتف المحمولة. وهكذا ثمة شيء يتعلق بتجسيد الصورة الفوتوغرافية يمكنه أن يثير التفسيرات أو حتى يشجع على إعادة النظر. تأمل رواية هارمان الخاصة عن نشأة الدافع الوثائقي لديها:
Unknown page