ووضع في أعماقها بصيرة ترى ما لا يرى.
وابتدع فيها عاطفة تسيل مع الخيالات وتسير مع الأشباح، وألبسها ثوب شوق حاكته الملائكة من تموجات قوس القزح، ثم وضع فيها ظلمة الحيرة وهي خيال النور.
وأخذ الإله نارا من مصهر الغضب، وريحا تهب من صحراء الجهل، ورملا من على شاطئ بحر الأنانية، وترابا من تحت أقدام الدهور.
وجبل الإنسان، وأعطاه قوة عمياء تثور عند الجنون وتخمد أمام الشهوات، ثم وضع فيه الحياة وهي خيال الموت.
وابتسم إله الآلهة وبكى، وشعر بمحبة لا حد لها ولا مدى، وجمع بين الإنسان ونفسه.
ابتسامة ودمعة
لمت الشمس أذيالها عن تلك الحدائق الناضرة، وطلع القمر من وراء الأفق وسكب عليها نورا لطيفا، وأنا جالس هنالك تحت الأشجار أتأمل في انقلاب الجو من حالة إلى حالة، وأنظر من خلايا الأغصان إلى النجوم المنشورة كالدراهم على بساط أزرق، وأسمع من بعيد خرير جداول الوادي.
ولما استأمنت الطيور بين القضبان المورقة، وأغمضت الأزهار عيونها وسادت السكينة، سمعت وقع أقدام خفيفة على الأعشاب فحولت نظري، وإذا بفتى وفتاة يقتربان مني ثم جلسا تحت شجرة غضة وأنا أراهما ولا أرى.
وبعد أن تلفت الفتى إلى كل ناحية سمعته يقول: «اجلسي بجانبي يا حبيبتي واسمعيني، ابتسمي لأن ابتسامتك هي رمز مستقبلنا، وافرحي لأن الأيام قد فرحت من أجلنا، حدثتني نفسي بالشك الذي يخامر قلبك، والشك في الحب إثم يا حبيبتي، عن قريب تصيرين سيدة هذه الأملاك الواسعة التي ينيرها ذلك القمر الفضي، وربة هذ القصر المضاهي قصور الملوك، تجرك خيولي المطهمة في المتنزهات وتذهب بك مركباتي الجميلة إلى المراقص والملاهي، ابتسمي يا حبيبتي كما يبتسم الذهب في خزائني، وارمقيني كما ترمقني جواهر والدي، اسمعي يا حبيبتي فقد أبى قلبي ألا يسكب أمامك مخبآته، أمامنا سنة العسل، سنة نصرفها مع الذهب الكثير على شواطئ بحيرات سويسرا، وفي متنزهات إيطاليا، وقرب قصور النيل، وتحت أغصان أرز لبنان، سوف تلتقين بالأميرات والسيدات فيحسدنك على حلاك وملابسك، كل ذلك لك مني، فهلا رضيت! آه ما أحلى ابتسامتك تحاكي ابتسام دهري!».
وبعد قليل رأيتهما يمشيان على مهل ويدوسان الأزهار بأقدامهما كما تدوس قدم الغني قلب الفقير.
Unknown page