Dafc Shubh
دفع شبه من شبه وتمرد
Publisher
المكتبة الأزهرية للتراث
Publisher Location
مصر
وكل ما إنعدم فهو مقهور العدم بكن وبهذا يعلم أن إطلاق الملك على ما سواه أمر مجازى إذا المملوك لا يكون مالكا لأن من هو تحت قهر الأغيار فهو كالعدم ولهذا لما تحقق أرباب القلوب أن الملك لله عزوجل تحققا قلبيا سكنت أنفسهم عن وصف الإضافات وتبرءوا من الحول والقوة حتى بالإشارات فلا يقول مني ولا لي حتى قيل لبعضهم ألك رب فقال أنا عبد وليس لي نملة ومن أنا حتى أقول لي فهذا وأمثاله صفى نفسه عن رعونة البشرية وهواها وفك ربقة رق خيالاتها الباطلة ومناها ومحض رق العبودية لمولاها فترى الملوك الجبابرة مع جبروتهم يخضعون ويتذللون له ولهذا تتمات ليس هذا المقام مقامها إذ الغرض التنزيه والقدوس من أسمائه عزوجل سمى نفسه بذلك ليرشدك إلى تقديسه كما أشار إلى ذلك بقوله تعالى
﴿يسبحون الليل والنهار لا يفترون﴾
وفيه الحث على دوام التقديس فالقدوس قيل هو المنزه عما لا يليق به من الأضداد والأنداد وقيل هو المنزه والمطهر من النقائص والعيوب وهاتان غير مرضيين عند المحققين قال حجة الإسلام الغواص الغزالي وهذا في حق الباري سبحانه وتعالى يقارب ترك الأدب كما أنه ليس من الأدب أن يقال لملك ليس بحائك ولا بحجام لأن نفي الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود وفي ذلك الإيهام نقص بل القدوس المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره وهم أو يسبق إليه فكر أو يهجس به سر أو يختلج به ضميرا أو يسنح له خفي خيال وقد أجاد رضي الله عنه وههنا فائدة جليلة للمنزه والمشبه وهي أنه ينبغي للعبد أن يجعل له حظا وافرا من تكرير هذا الإسم والإمعان في معناه فإن كان منزها عطف لك عليه وقدس نفسه وقلبه وبدنه أما نفسه فيطهرها من الأوهام المذمومة كالغضب والحقد والحسد والغش وسوء الظن والكبر وحب الشرف والعلو وحب الدنيا ولوازمها وغير ذلك ويبدلها بالأوصاف المحمودة فيطهرها أيضا عن العاهات والشهوات وما تدعو إليه من المستحسنات والمألوفات إذ هي أزمة الشيطان يقود بها إلى إرتكاب الموبقات وأما القلب فيطهره بالعقد الصحيح المطابق الجازم وبالمبادرة إلى لإمتثال الأوامر وإجتناب النواهي والأهواء وتحقيق الإخلاص نية وقولا وعملا وبالرضى بما جرى فلا يأسف على فائت ولا يفرح بأت وذلك يرجع إللا ذوق حلاوة الإيمان القلبي لا العملي وعلامته تقديس القلب عن ملاحظة الأكوان ولا يرى الأغيار إلا على العدم الإصلي فلا يتحرك في ظاهره ولا باطنه حتى في أنفاسه إلا بالله عزوجل وأما البدن فيطهره بماء الجوع ويكفنه بدوام التقشف ويحنطه بالعزلة ويطيبه بدوام الذكر والفكر ويدفنه في لحد الخوف فإذا قدسه بذلك ذهب مغناه وبقي معناه فإذا إجتمعت له هذه التقديسات ذهبت أوصافه القواطع والموانع ولاح له خزائن أسرار الآيات في معارج ترداد الآيات فأثمر له ذلك كشف أسرار الملكوتيات فيثمر له ذلك الشوق إلى رؤية مطلوبه فلا شيئ أشهى إليه من الموت لأنه لا سبيل إلى الوصول إلى محبوبه إلا به فمن أراد أن يجلسه في حضرة القدس على منابر التقديس فليجر على هذا التأسيس ومر إبراهيم بن أدهم قدس الله روحه بسكران مطروح على قارعة الطريق وقد تقيأ فنظر إليه وقال بأي لسان أصابته هذه الآفة وطهر فمه ومضى فلما أفاق السكران أخبر بما فعله إبراهيم فخجل وتاب وحسنت توبته فرأى إبراهيم فيما يرى النائم كأن قائلا يقول غسلت لأجلنا فمه فلا جرم أنا طهرنا لأجلك قلبه وأما المشبه والمجسم فلأنه بتكرار هذا الإسم يتعقل معناه فيضيء له نوره فينكشف له حجاب الضلال فإذا حقق المعنى المراد منه ظهر له نوره فأحرق حجاب الضلال فصفى قلبه للحق وزاح الباطل وقد وقع ذلك لبعض الغلاة في التشبيه والتجسيم مر يوما على هذه الآية
﴿هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس﴾
فكرر هذا الإسم وتعقل معناه فقال والله إنا لفي ضلال مبين بين فبادر في الحال وأتى بالشهادتين وقال والله لا يخلصني إلا إستئناف العمل
فأنظر أرشدك الله تعالى إلى بركة تكرير هذا الإسم العظيم في حق أهل التنزيه والتشبيه والله أعلم
Page 55