فَنَذْكُرُ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرُ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا.»
فَقَدْ أَثَّرَ (هَذَا) الدَّوَاءُ فِي هَذَا الدَّاءِ، وَأَزَالَهُ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ أَسْهَلُ دَوَاءٍ وَأَيْسَرُهُ، وَلَوْ أَحْسَنَ الْعَبْدُ التَّدَاوِيَ بِالْفَاتِحَةِ، لَرَأَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي الشِّفَاءِ.
وَمَكَثْتُ بِمَكَّةَ مُدَّةً يَعْتَرِينِي أَدْوَاءٌ وَلَا أَجِدُ طَبِيبًا وَلَا دَوَاءً، فَكُنْتُ أُعَالِجُ نَفْسِي بِالْفَاتِحَةِ، فَأَرَى لَهَا تَأْثِيرًا عَجِيبًا، فَكُنْتُ أَصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي أَلَمًا، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَبْرَأُ سَرِيعًا.
وَلَكِنْ هَاهُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالْآيَاتِ وَالْأَدْعِيَةَ الَّتِي يُسْتَشْفَى بِهَا وَيُرْقَى بِهَا، هِيَ فِي نَفْسِهَا نَافِعَةٌ شَافِيَةٌ، وَلَكِنْ تَسْتَدْعِي قَبُولَ الْمَحِلِّ، وَقُوَّةَ هِمَّةِ الْفَاعِلِ وَتَأْثِيرَهُ، فَمَتَى تَخَلَّفَ الشِّفَاءُ كَانَ لِضَعْفِ تَأْثِيرِ الْفَاعِلِ، أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمُنْفَعِلِ، أَوْ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ فِيهِ يَمْنَعُ أَنْ يَنْجَعَ فِيهِ الدَّوَاءُ، كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْوَاءِ الْحِسِّيَّةِ، فَإِنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِهَا قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ قَبُولِ الطَّبِيعَةِ لِذَلِكَ الدَّوَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ يَمْنَعُ مِنَ اقْتِضَائِهِ أَثَرَهُ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ إِذَا أَخَذَتِ الدَّوَاءَ بِقَبُولٍ تَامٍّ كَانَ انْتِفَاعُ الْبَدَنِ بِهِ بِحَسْبِ ذَلِكَ الْقَبُولِ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا أَخَذَ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذَ بِقَبُولٍ تَامٍّ، وَكَانَ لِلرَّاقِي نَفْسٌ فَعَّالَةٌ وَهِمَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي إِزَالَةِ الدَّاءِ.
[الدُّعَاءُ يَدْفَعُ الْمَكْرُوهَ]
وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَلَّفُ أَثَرُهُ عَنْهُ، إِمَّا لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ - بِأَنْ يَكُونَ دُعَاءً لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُدْوَانِ - وَإِمَّا لِضَعْفِ الْقَلْبِ وَعَدَمِ إِقْبَالِهِ عَلَى اللَّهِ وَجَمْعِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَوْسِ الرِّخْوِ جِدًّا، فَإِنَّ السَّهْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ خُرُوجًا ضَعِيفًا، وَإِمَّا لِحُصُولِ الْمَانِعِ مِنَ الْإِجَابَةِ: مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ، وَالظُّلْمِ، وَرَيْنِ الذُّنُوبِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَاسْتِيلَاءِ الْغَفْلَةِ وَالشَّهْوَةِ وَاللَّهْوِ، وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا.
كَمَا فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» .
[دعاء الغافل]
«وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» فَهَذَا دَوَاءٌ نَافِعٌ مُزِيلٌ لِلدَّاءِ، وَلَكِنَّ غَفْلَةَ الْقَلْبِ عَنِ اللَّهِ تُبْطِلُ قُوَّتَهُ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْحَرَامِ يُبْطِلُ قُوَّتَهُ وَيُضْعِفُهَا.
كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ،
1 / 9