قال عمر: فما باله رجع بنا ولم ندخلها؟ قال له أبو بكر: وهل قال لك متى؟ إنما قال: لتدخلن، وأنتم داخلوها لا محالة، وإنما كان لك مقالا لو ضرب لك أجلا فرأيت خلافه، واعلم أن الحق ما قال وصنع.
فلم يبق في قلب مخلص جهلا بموضع الحجة في ذلك، ولا في قلب مستريب دخله الشك شيئا إلا أصلحه. فبهذا وشبهه نعرف إخلاص الرجل وقدره، وسعة صدره، وكثرة علمه.
ثم أخرى، أنقذ الله به من الضلالة، والناس بين ساكت لا غناء عنده، أو خائض مستريب يحتاج إلى التعريف، أو موقن يحتاج إلى المادة وتلقين الحجة.
من ذلك أن النبي ﷺ لما توفي اقتحم الناس عليه في منزل عائشة، فلما نظروا إليه مسجى دخلهم أمر عظيم أذهلهم وحير عامتهم، حتى قالوا: لم يمت، وكيف يموت وهو شهيد علينا ونحن شهداء على الناس؟ وكيف يموت وقد قال الله: ﴿ليظهره على الدين كله﴾ ولم يظهر بعد؟
وكان عثمان بن عفان وعمر بن الخطاب يرددان هذه الآيات، وتوعدا أصحاب النبي - صلى الله عليه -: من قال إنه مات. وثاروا في حجرة عائشة وعلى الباب: لم يمت!
وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان، وقال: إنه والله ما مات، ولكن الله رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم! والله لا نسمع أحدا يقول مات إلا قطعنا لسانه!
واضطرب الناس وماجوا. وقام عمر في الناس خطيبا فقال:
1 / 79