أوما علمت أنه لم يكن في الجميع أشد في ذلك من علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب؟ وذلك أن عليا هو كان كاتب كتاب القضية، فلما كتب: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" قال المشركون: لو نعلم أنك رسوله ما حاربناك، ولكن اكتب: "محمد بن عبد الله"، فقال النبي لعلي: امحها يا علي. فقال علي: والله لا محوتها أبدا! قال النبي ﷺ: أرني مكانها. فأراها فمحاها وكتب: "محمد بن عبد الله". قال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن هذا كله حدب على الإسلام وغضب له، ولكنهم لم يطلعوا من الأمور ما تطلعه الرسل. فهذا موقف لأبي بكر مشهور.
وإنما عظمت الفتنة على أصحاب النبي - صلى الله عليه - لأنهم خرجوا لا يشكون في الفتح، لرؤيا النبي - صلى الله عليه - أنه حلق رأسه ودخل البيت وأخذ مفتاح الكعبة وعرف مع المعرفين، ثم تجهز في تلك الأيام وهو يريد مكة عندهم وقد كان تلا عليهم: ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم﴾ الآية. فلما رأوا الصلح والشرط وعاينوا الرجوع اضطربوا لذلك، مع الذي كان في نفوسهم من قوله: "إن أتى قريشا أحد ممن كان على دين محمد لم ترده، ومن أتى محمدا ممن هو على دين قريش رده". فأخرجهم ما ذكرت لك إلى ما ذكرت قبل.
وأقبل عمر على أبي بكر فقال: يا أبا بكر، أليس قد أخبرنا النبي - صلى الله عليه - عن الله وتلا علينا القرآن: ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين﴾؟ قال أبو بكر: نعم.
1 / 78