حدثت، وبلايا نزلت في زمن أبي بكر وأيام وفاة النبي - صلى الله عليه -، من حلال وحرام أو سياسة جند أو سد ثغر أو تدبير حرب، أو استصلاح عوام، أو ترتيب خواص، فظهر فيه من رأي علي وصوابه وحسن نظره وإرشاده ما لم يظهر من أبي بكر - فقد أفلح من زعم أن عليا كان أفقه منه فقها، وأصوب رأيا، وأشد للأمور احتمالا! مع أنا قد نجد عنده من دقائق الفتيا وغامضه وعويصه ما لم يبتل به أحد ولا يبتلى به أحد أبدا. ولعل ذلك لا يصاب عند الإمام إلا في جملة الأمور وأصولها. ثم لو دهم الناس عدو، أو حزبهم أمر، أو أعضل بهم ملم من فاتق يختطب الملك بتأويل قد زخرفه، ومن انتشار جند أو اضطراب عوام، أو بدعة شاملة، لم يكن عنده من الغناء والاحتمال والمعرفة بعلاج أدوائها والتأتي لاستصلاحها قليل وكثير. وإنما مدار الأمور على أصالة الرأي، واتساع الصدر، وقوة العزم.
فإن كنا لم نجد لعلي مما ذكرنا شيئا يفضل به أبا بكر في ذلك الدهر فإنا نستدل على صواب رأيه واتساع صدره، وأنه كان المفزع والمرشد بعد رسول الله في المعضلات وعند الشبهات والحادثات، والناس في ذلك الدهر بين مستمع مرشد وبين مستمع مسلم، وبين مطرق واجم وبين خائض قد رنحه الحادثات، واستبهم عليه وجه الصواب، كالذي كان من المسلمين لما اصطلحوا على القضية يوم الحديبية، لأنهم لما صاروا إلى الكتاب وتراضى النبي ﷺ وسهيل بن عمرو
1 / 76