ثم لم يكن ذلك يوما ولا يومين، ولا شهرا ولا شهرين، ولا عاما ولا عامين، ولكن السنين بعد السنين.
وكان أغلظ القوم محنة وأشدهم احتمالا بعد رسول الله - صلى الله عليه - أبو بكر الصديق، لأنه أقام ما أقام رسول الله ﷺ بمكة، وذلك ثلاث عشرة سنة. وإنما قلنا ذلك من أجل أن الناس اختلفوا في مقدار مبعث النبي ﷺ إلى هجرته. فقال قائل: خمس عشرة سنة، وقال آخرون: ثلاث عشرة سنة، وقال قوم: عشر سنين، فكان أعدل الأمور وأقسطها طرح الطرفين، والأخذ بأوسط الروايات، كما صنعنا في عمر علي بن أبي طالب، حيث وجدنا ولده جعفر بن محمد [و] هو دونه، يخبر أن عليا استشهد وهو ابن سبع وخمسين، وقالت علماء الرافضة: نحن أعلم به من ولده إلا الأئمة منهم. ولم يقل هذا القول إمام منهم قط، ولكن علي استشهد وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ثم روى الناس بعد أنه استشهد وهو ابن ستين وابن ثلاث وستين وابن أربع وستين، أخذنا بأوسط ما قالوا فطرحنا سنيه وسني عمر وعثمان وأبي بكر والهجرة ومقام النبي - صلى الله عليه - بمكة، فحصل العدد الذي أثبتناه في صدر ذكرنا القضية.
فإن قالوا: قد صنع علي بن أبي طالب ﵁ بمكة أفضل من جميع ما ذكرتم، ولقي أشد مما لقي أفضلهم، وذلك أن النبي ﷺ أباته في مضجعه وعلى فراشه والمشركون يرصدونه، وقد سقط إليهم أن النبي ﷺ يريد المدينة، فقد تحزموا واجتمعوا وقلبوا
1 / 42