ثم بدأ يحضر مجالس شيخ الجماعة بفاس القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله اليفرني المعروف بالقاضي المكناسي. وبدأ تدريس المدونة ومختصر ابن الحاجب الفرعي. وكان يدرس بادئ الأمر في المسجد المعلق بالشراطين (١) قبل أن تسند إليه الكراسي الوقفية في أهم مساجد فاس ومدارسها (٢).
ثم أسند إليه تدريس المدونة على كرسيها المخصص لها في المدرسة المصباحية (٣) إحدى مدارس القرويين، واستمر على ذلك مع تدريسه لمختصر ابن الحاجب الفرعي إلى أن توفي، فخلفه ابنه على دروسه الوقفية (٤)، وهذا الكرسي هو الذي سمي فيما بعد باسم كرسي الونشريسي (٥). ولقد كان أبو العباس يتقن كثيرًا من العلوم خصوصًا النحو، ويظهر ذلك من فصاحة لسانه وقلمه، إذ نقل المنجور عبارته المشهورة، "حتى كان بعض من يحضر تدريسه يقول لو حضره سيبويه لأخذ النحو من فيه" (٦) والتي تناقلتها أكثر الكتب التي ترجمت له (٧).
ولا بأس هنا أن أذكر بعض ما وصفه به العلماء سواء منهم معاصروه أو من جاء بعده. فأبدأ بما نقله صاحب الدوحة فقد قال: (ومنهم الشيخ الإِمام العالم العلامة المصنف الأبرع، الفقيه الأكمل الأرفع، البحر الزاخر، والكوكب الباهر، حجة المغاربة على أهل الأقاليم، وذخرهم الذي لا يجحده جاهل ولا عالم. . .
_________
(١) ولا زال هذا المسجد بالشراطين يصعد إليه بعدة درجات وهو مسجد صغير وقد زرته أثناء زيارتي لفاس مع بعض الأصدقاء الفاسيين. كما يوجد على يمين الداخل إلى المسجد البيت الوقفي الذي كان يسكنه الونشريسي وهو بيت لا زال على حالته.
(٢) انظر جامع القرويين للدكتور التازي ٢/ ٥٠٦ وانظر فهرس المنجور ص ٥٠.
(٣) هذه المدرسة شيدها السلطان أبو الحسن المريني ثم عرفت بالمصباحية؛ لأن الأستاذ أبا الضياء مصباح بن عبد الله اليالصوتي (ت ٧٥٠، هـ) كان أول من تصدى للتدريس فبها. انظر القرويين ٢/ ٣٩٥.
(٤) فهرس المنجور: ٥٣.
(٥) يرى الأستاذ أحمد الخطابي أنه سمي باسم أبي العباس أحمد الونشريسي تنويهًا لعلمه وتخليدًا لذكره انظر إيضاح المسالك ص ٦٣. في حين يرى الدكتور عبد الهادي التازي أن هذا الكرسي قد سمي باسم عبد الواحد الونشريسي؛ لأن آخر درس له كان على هذا الكرسي ليلة مقتله. انظر جامع القرويين ٢/ ٣٧٩.
(٦) فهرس المنجور، ص ٥٠.
(٧) نيل الابتهاج ٨٧، سلوة الأنفاس ٢/ ١٥٤، جذوة الاقتباس القسم الأول ص ١٥٧، البستان ٥٣.
1 / 34