224

Caza Falsafa

عزاء الفلسفة

Genres

ورغم كل ما قيل، فقد يكون السؤال عن مسيحية بوئثيوس لم يصغ على نحو صحيح! فمن يدري؟ لعل المزيد من المعرفة عن المناخ الفكري للمجتمع الروماني في عصر بوئثيوس أن يظهر لنا هذا السؤال في ضوء مختلف، وها هي الدراسات المكثفة في السنوات الأخيرة تظهرنا على حقائق جديدة حول هذه الحقبة الزمنية كفيلة بأن تغير نظرتنا في أمور كثيرة، يبدو أن احتفاء المسيحية المبكرة بالتراث الكلاسيكي الوثني كان أكبر مما نظن ونتوقع، وأن للمذهب الإنساني المسيحي

Christian Humanism

تراثا ممتدا قبل «عزاء الفلسفة»، فيبدو أن الصلة بين عائلات القناصل النبلاء وكبار رجال الإكليروس في روما كانت وثيقة، وأتت معها بموقف إيجابي تجاه أدب العصر القديم وفكره، بعيد كل البعد عن التحول الديني الذي يقتضي، في نظرنا الدارج، رفضا للماضي الوثني وتقاليده، فبالإضافة إلى استمرار دراسة الفلسفة الوثنية والاهتمام بأعمال كتاب كلاسيكيين من أمثال فرجيليوس وهوراتيوس، والاهتمام بالمباني القديمة وترميمها، فحتى الاحتفالات الوثنية الأصل مثل مهرجان الخصب (اللوبركاليا) وألعاب يوليو في روما على شرف أبولو ظلت قائمة بتمامها في زمن بوئثيوس، «هذا الشغف المسيحي بالماضي، حتى إذا كان مرتبطا ببعض المظاهر الخارجية للشعائر الوثنية، لا يخلو من دلالة كخلفية لتقدير وضع بوئثيوس ودائرته بين الثقافة الكلاسيكية والإيمان المسيحي.»

6

من شأن هذا الوئام وغياب التوتر بين التقليد الوثني والتقليد المسيحي أن يخلق مناخا كان فيه تصور مدخل ثنائي إلى الحقيقة، أحدهما خلال ممارسة العقل والآخر خلال الوحي، أمرا طبيعيا وسهل التناول، في هذا السياق كانت دراسة «اللاهوت الطبيعي»

natural theology

مشروعة وصحيحة مثلها مثل دراسة «لاهوت الوحي»

revealed theology

سواء بسواء، ولقد كان اللاهوت الطبيعي هو ما كرس له بوئثيوس قدراته الفكرية الهائلة طوال حياته.

7

Unknown page