فقد كان بوئثيوس هو القناة التي عبرت خلالها الفلسفة من العالم القديم إلى العالم السكولائي في العصور الوسطى.
2
وكان للفنون الحرة أهمية لدى بوئثيوس، مثلما كانت لدى أوغسطين، كتمهيد دراسي للفلسفة، وهو ما جعله يكتب الرسائل في الحساب والهندسة، وربما في الفلك والميكانيكا، وكان لرسائله أهمية كبرى في تطوير التعليم في العصر الوسيط، فقد ظلت رسالته في الموسيقى، على سبيل المثال، تدرس في أكسفورد حتى القرن الثامن عشر، وبوئثيوس هو الذي أعطانا لفظة «الرباعية»
quadrivium (الحساب، والهندسة، والموسيقى، والفلك) باعتبار أن من المحال أن يبلغ المرء قمة الإتقان في مباحث الفلسفة ما لم يقارب الفلسفة بنوع من الطريق الرباعي.
وفي رسائله اللاهوتية محاولة للتوفيق بين مناهج الفلسفة العقلية المنطقية وبين حقائق الوحي القائمة بحقها الشخصي، وفي تطبيقه للمنهج والمصطلحات الأرسطية على المشكلات اللاهوتية يعد بوئثيوس بحق رائدا للمدرسيين.
في رسالة، أوردها كاسيودوروس، باسم تيودوريك إلى بوئثيوس (يطلب فيها أيضا ساعة شمسية) جاء ما يلي:
في ترجماتك يقرأ الإيطاليون فيثاغوراس الموسيقي وبطليموس الفلكي، ويسمع الأوسونيون نيقوماخوس الحسابي وإقليدس الهندسي، ويتجادل أفلاطون اللاهوتي وأرسطو المنطقي بصوت روماني، لقد رددت أرشيميدس الميكانيكي باللاتينية إلى الصقليين، وأي مبحث أو فن علمته بلاغة اليونان من خلال شتى الرجال فقد تلقته روما بفضلك وحدك بلغة آبائها، لقد جعلت هذه الأعمال اليونانية واضحة بأسلوب مشرق وتعبير مبين بحيث إن من عرف الاثنين سيفضل ترجمتك على الأصل.
تقلبات السياسة
تعرضت الإمبراطورية الرومانية للانقسام على يد قبائل جرمانية قامت بغزو الإمبراطورية من جهة الشرق بين القرن الثالث والخامس، ومنذ أواخر القرن الرابع أصبح الحكم مشاركة بين إمبراطور في الشرق مركزه القسطنطينية (بيزنطة) وآخر في الغرب مركزه روما، وفي عام 476م تولى أودويسر حكم الدولة الغربية بعد أن تخلص من آخر أباطرة الغرب، وأرسل شارة الإمبراطورية إلى القسطنطينية، والحق أنه في نظر البرابرة لم يكن من الجائز لغير روماني أن يكون ملكا، ويبدو أن أودويسر كان قانعا بالسيطرة على السلطة في روما، ويعتبر زينون في الشرق هو الإمبراطور الوحيد.
بذلك تأسس نوع من التسوية المؤقتة بين البرابرة في الغرب والإمبراطور في الشرق، كان أودويسر من الوجهة الفعلية
Unknown page