Casr Nahda Muqaddima Qasira
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
إن تنوع أسلوب الفلاسفة في الحياة والغايات المتعارضة تماما التي يعملون من أجلها، تجعلني أومن أنهم دائما ما كانوا يفكرون بصورة مختلفة عن الخطباء. فجهود الخطباء موجهة ناحية الحصول على استحسان الجمهور، أما الفلاسفة فيجاهدون - إن لم تكن تصريحاتهم زائفة - لمعرفة أنفسهم، وإعادة الروح إلى نفسها، واحتقار المجد الأجوف.
كان مخطط الحركة الإنسانية لبيترارك كما يلي: توحيد السعي الفلسفي للحقيقة الفردية، والقدرة العملية على العمل بفعالية في المجتمع من خلال استخدام البلاغة والإقناع. وللحصول على التوازن المثالي، يحتاج الفرد المتحضر إلى تدريب صارم في علوم الدراسات الإنسانية؛ أي قواعد اللغة والبلاغة والشعر والتاريخ والفلسفة الأخلاقية.
كان هذا منطقا عبقريا منح الإنسانيين الأوائل قوة وهيبة أعظم من تلك التي تمتع بها أسلافهم من الباحثين. كانت الفلسفة المدرسية (السكولاستية) في العصور الوسطى تدرب الطلاب على اللغة اللاتينية وعلى كتابة الخطابات والفلسفة، لكن معلميها ومفكريها كانوا تابعين للسلطات (أي الكنيسة في المعتاد) التي كانوا يعملون لصالحها. وقد منح تعريف شيشرون للإنساني المتحضر - أنه ذلك الإنسان القادر على التفلسف في الأمور الإنسانية، بينما يقوم أيضا بتدريب الصفوة على مهارات الخطابة العامة والإقناع - الحركة الإنسانية وممارسيها استقلالية أكبر «لبيع» أفكارهم للمؤسسات الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، لم تكن الحركة الإنسانية حركة سياسية صريحة مطلقا، وذلك على الرغم من أن بعض ممارسيها كانوا سعداء للغاية بالسماح للأيديولوجيات السياسية بتبني نهجها حيثما وأينما كان ذلك مفيدا. فقد وصف الإنسانيون أنفسهم بأنهم خطباء وعلماء بلاغة ومعلمو أسلوب، وليسوا ساسة. وغالبا ما يكون من الخطأ دراسة موضوع الكتابات الإنسانية بقيمته الظاهرية فحسب؛ فمثل هذه الكتابات كانت تدريبات رسمية راقية في الأسلوب والبلاغة، وكانت تحتفي غالبا بالدفاع الجدلي في صالح وضد موضوع معين. ويكمن انتصار الحركة الإنسانية في قدرتها على استخدام مهاراتها في البلاغة والخطابة والجدل لإقناع مجموعة من الرعاة السياسيين المحتملين بفائدة خدماتها، سواء أكانوا جمهوريين أم ملكيين.
عودة إلى لوحة الرسم
بحلول منتصف القرن الخامس عشر، كانت ممارسة الحركة الإنسانية تنتشر في المدارس والجامعات والبلاط الملكي. وقد رفع تأكيدها على البلاغة واللغة من مكانة الكتاب كأداة مادية وفكرية. وكانت مراجعات الحركة الإنسانية، بخصوص كيفية الحديث والترجمة والقراءة وحتى كتابة اللغة اللاتينية، تركز بالإجماع على الكتاب بصفته الأداة المثالية المحمولة التي يمكن من خلالها نشر هذه الأفكار. ولكن كيف كانت هذه المثل الإنسانية تعمل في مجال الممارسة العملية؟ يظهر أحد الأمثلة الواضحة بصفة خاصة على الفجوة بين نظرية الحركة الإنسانية وممارستها في الفصول الدراسية من الحياة المهنية لأحد أكثر المعلمين الإنسانيين احتراما؛ وهو جوارينو جواريني من فيرونا (1374-1460). كان جوارينو موظفا لدى عائلة إيستي في فيرارا، حيث كان يحاضر بصفته أستاذا للبلاغة منذ عام 1436.
وكان نجاح جوارينو كمعلم يعتمد على قدرته على أن يروج لتلاميذه ولرعاته رؤية عن التعليم الإنساني، الذي يدمج ما بين القيم الإنسانية المتحضرة والمهارات الاجتماعية العملية الضرورية للتقدم الاجتماعي. وفي إحدى المحاضرات الافتتاحية حول شيشرون، سأل جوارينو:
هل هناك هدف أفضل لأفكارنا وجهودنا من الفنون والمبادئ والدراسات التي نصل بها إلى القدرة على إرشاد أنفسنا وعائلاتنا ومراكزنا السياسية وتنظيمها والتحكم فيها [؟] ... ولهذا استمروا كما بدأتم أيها الشباب والسادة العظماء، واعملوا على هذه الدراسات التي بدأها شيشرون، والتي تملأ مدينتنا بالأمل الراسخ فيكم، والتي تجلب لكم الشرف والسعادة.
هذه الرؤية نشرتها مجموعة من المعلمين والباحثين المدربين على فن البلاغة والإقناع؛ ولا عجب في أنها حازت القبول بسهولة في زمانها، ولا تزال تؤثر في طلبة العلوم الإنسانية اليوم.
ومع ذلك، لم ينتج فصل جوارينو الدراسي بالضرورة مواطني الصفوة من الإنسانيين كما وعد. فقد كان تعليمه يتضمن استغراقا شديدا في قواعد اللغة والبلاغة، استنادا إلى تسجيل الملاحظات بإتقان واستظهار النصوص والتكرار الشفوي والمحاكاة البلاغية في دائرة لانهائية فيما يبدو من التدريبات الأساسية. ولم يكن هناك متسع من الوقت للمزيد من التأمل الفلسفي في طبيعة النصوص قيد التحليل، وتكشف ملاحظات التلاميذ في المحاضرات عن استيعاب أساسي وحسب للطرق الجديدة في التحدث والكتابة التي كان الإنسانيون مثل جوارينو يرون أنها أساس التعليم الإنساني. وهذه الدروس الأولية في اللغة والبلاغة أعدت التلاميذ لتولي الوظائف في المناصب القانونية والسياسية والدينية، رغم أن هذا كان بعيدا للغاية عن المستويات الراقية التي وعد بها جوارينو في محاضراته الافتتاحية.
كانت طرق جوارينو تسر رعاته السياسيين؛ فالتعليم القائم على التكرار في الأمور الدقيقة من القواعد كان يزرع السلبية والطاعة والانصياع في الطلاب. وعندما يفشل هذا، يتم تطبيق التأديب والتقويم بصورة روتينية. كما شجع جوارينو على التبعية لسياسات الصفوة الحاكمة، سواء أكانوا جمهوريين أم ملكيين (كما في حالة راعيه: عائلة إيستي):
Unknown page