أما جهان فلما علمت أنه على مقربة من أردبيل قصبة أرمينيا في ذلك الحين أخذت تتهيأ لدفع ما يهددها. وكانت تسمع ببابك وتعرف انغماسه وتهتكه وتعلم أنه مقيم بأردبيل. وما عتم الركب أن وصلوا إلى غيضة كثيرة الأدغال والأشجار إذا دهم أهل أردبيل أمر لجئوا إليها فتمنعهم وتعصمهم ممن يريد أذاهم فهي معقلهم ومنها يقطعون الخشب الذي يصنعون منه الصواني والقصاع، واستغرقت جهان في تفكيرها وهي تنظر إلى تلك الغيضة فيما تخاطب به بابك لتدفع أذاه، وذكرت ضرغاما وقالت في نفسها: «ماذا هو فاعل إذا بلغه ما أنا فيه؟»
وفيما هي في ذلك رأت الركب يتحول عن الطريق المؤدي إلى أردبيل ويدخلون الغيضة. وأتاها رجل منهم أومأ إليها أن تحول شكيمة جوادها الأدهم نحو الغيضة ففعلت وهي لا تعرف السبب. وساروا في طريق وعر يخترقون الأشجار المشتبكة وجهان تلتفت يمينا وشمالا لعلها تعرف سبب هذا السير، وإذا بعريف الركب جاءها وزاملها بجواده وخاطبها قائلا: «أراك تستغربين اتجاهنا إلى هذا الطريق أو لعلك تخافين؟»
قالت: «إني لا أخاف شيئا، ولكنني أستغرب دخولكم هذا الطريق الوعر بعد أن كنا على مقربة من أردبيل.»
فأكبر العريف جرأتها وكبر نفسها وقال: «أظنك لم تشاهدي الراية المنصوبة على مقربة من الطريق.»
قالت: «كلا، وأين هي؟»
فأومأ إليها أن تنظر، وصعد بها إلى أكمة هناك، فلما صعدا قال لها: «ألا ترين هذه الراية؟»
فلما وقع نظرها عليها خفق قلبها؛ لأنها راية الأفشين فقالت: «إنها راية المسلمين.»
قال: «نعم، وقد جاءنا أحد الكوهبانية (وهم أصحاب الأخبار عند قدامى الفرس يشبهون قلم المخابرات في هذه الأيام) وأخبرنا أن مولانا قد غادر أردبيل واحتلها المسلمون بعده.»
قالت: «أظنك تعني بابك. وإلى أين ذهب؟»
قال: «أخبرنا الكوهباني أنه أوغل في أرمينيا وتحصن في بلد منيع يقال له «البذ» عند نهر «ارس» ونحن ذاهبون إليه.»
Unknown page