فقالت بصوت هادئ يزينه وقار وترفع: «كان الأولى أن تبدأ أنت باحترام تلك الوصية أيها الملك والقائد!»
فقال بنغمة الفائز الظافر: «أتظنين أباك لم يوص إلا بما في تلك الورقة؟ إنه أوصاني وصية شفاهية لا بد لي من تنفيذها.»
فقالت والازدراء باد في شفتيها وعينيها: «لو كان أبي حيا ما قبل منك ذلك.»
فابتسم وأبرقت عيناه بريقا أزعجها، وقال بلحن الهائم الولهان : «هبي أنه لم يقل شيئا من ذلك، ألا يكفي أن أقوله أنا. يلوح لي أن ما ظننته من تعقلك وذكائك لم يكن في محله؟ أيسوق إليك ملك أشروسنة عبارات التقرب والتودد وتجيبينه بالخشونة والنفور؟!»
فنظرت إليه نظرة ملؤها الاستغراب والدهشة وقالت وفي كلامها تهديد: «قف عند هذا الحد من التلميح، واحذر أن تنزع إلى التصريح، إن ملكك وإن ضخم لا يساوي عندي شيئا.»
قال: «يظهر أنك لم تفهمي مرادي. ألم تفهمي بعد؟ إني أحبك يا جهان، نعم إني أحبك.» قال ذلك وقد ازدادت عيناه بريقا وبدا فيهما الاحمرار.
فلما سمعت ذلك نهضت عن كرسيها ونفرت نفور الظبي من الأسد، وقالت: «قلت لك قف عند حد التلميح فلم تصغ، أما وقد تجاوزته، فاعلم أني لا أسمح لك بمثل هذا الخطاب. وهل يليق بك وقد اشتعل رأسك شيبا أن تخطب محبة فتاة أصغر من بعض أبنائك؟»
فتنهد الأفشين تنهدا حارا وقال وهو يتذلل ويتلطف: «آه يا جهان! أتحسبين الحب محرما على غير الشبان؟ إني أرى الكهولة أولى به وأقدر عليه. إن الناس مخطئون بما يتوهمون فلا شأن للسن بالحب.»
ثم اعتدل في مجلسه وأشار إلى صدره وقال: «إن في هذا القلب من لواعج الغرام ما لا يتسع له صدور الشبان. ولقد كنت شابا وأنا اليوم كهل، وأقسم لك بما تعبدين أني أشد كلفا وأعرق في الحب من قبل، ويدلك على ذلك أني وأنا الملك السيد والقائد الباسل أترامى عند قدميك لأخطب ودك وألتمس رضاك متذللا متصاغرا.» وترامى عند قدميها وقال: «فإذا أطعتني رأيتني عاشقا يبذل نفسه في سبيل سعادتك، وكنت الملكة النافذة الكلمة في العراقين وفارس وخاراسان وأشروسنة وفرغانة. وإن أبيت وظللت على خطئك ...»
فقطعت كلامه وهي تنظر في وجهه مستخفة وقالت: «انهض يا حيدر، انهض يا ابن كاروس، انهض يا ملك أشروسنة وارجع إلى رشدك ودع ما تقول وأنا أصفح عنك وأغضي عما فرط منك وأكتم خبر جرأتك. إنه لا ينبغي أن تكون فتاة مثلي أربط منك جأشا وأكثر تعقلا .»
Unknown page