ولا خلاف على كل حال في أن اجتماع الحبيبين بعد فراق طويل، مثل اجتماع جهان وضرغام، يمثل السعادة الحقيقية. ولعل جهان كانت أشد شعورا بتلك السعادة بعد ما نال الحزن من قلبها بموت أبيها. والنفس الحزينة أحوج إلى التعزية وأشد شعورا بها من سواها.
فأخذا يتجاذبان أطراف الحديث، وما حديثهما إلا التشاكي، وقد نسيا موقعهما وطال حديثهما، ولو لم تدخل عليهما القهرمانة خيزران لبقيا في غفلة عن الوجود وأهله.
وكانت خيزران لا تترك جهان برهة طويلة وحدها لئلا تستسلم للأحزان، وكانت تحسبها وحدها بعد خروج سامان فأتت تفتقدها، فلما رأت ضرغاما عندها خجلت وتراجعت، فنادتها جهان فدخلت وقد أذهلها ما رأته في ذينك المحبين من ظواهر الهيام كتورد الوجنتين وبريق العينين وشخوص كل منهما إلى رفيقه ببصره وسمعه، فأيقظهما دخولها ونقلهما من عالم الأرواح إلى عالم الأجساد. فحيت ضرغاما وسألت جهان عن حالها وعما تحتاج إليه. فقالت هذه: «لا أحتاج إلى شيء. ولكن كيف رأيت ضرغاما يا خيزران؟»
فأجفلت القهرمانة لأنها لم تكن تتوقع سماع هذا السؤال وقالت: «تسألينني عن رجل وقع منك هذا الموقع وأنت أعلم مني بأقدار الناس. فمن أين لمثلي أن تبدي رأيا، وغاية جهدي أن أتوسل إلى أورمزد ليمنحكما ما تتمنيان!»
ثم سألتهما عن سامان فقالت: «خرج من القصر على أن يعود على عجل، فعسى أن يصدق.»
ووقفت فوقف ضرغام وقال: «أتأذنين لي في الانصراف؟» فقالت: «يعز علي سفرك، ولكن ...» ثم تجلدت وقالت: «سر محروسا وكن مطمئنا فإني لا ألبث أن ألحق بك فقد كرهت الإقامة بهذه البلاد.»
فودعها وخرج، وكان وردان في انتظاره مع بعض أهل القصر فأمره بإعداد ما يقتضيه الرحيل إلى العراق.
الفصل التاسع
بين الأفشين وجهان
عادت جهان إلى القاعة وقد فارقها قلبها وفقدت رباطة جأشها، فندمت على ترغيب ضرغام في السفر، وأخذت تفكر فيما هي فيه، فعزمت على أخذ أمورها بالحزم والتعقل حتى تتخلص من تلك الوصية أو ترى سبيلا آخر.
Unknown page