فتنهد المعتصم وقال: «كنت وأنا في سامرا أستأنس بالقاضي أحمد وأطلعه على سري، أما الآن فأراني في حاجة إلى مشاورتك بعد أن خبرت صدق نيتك.»
قال: «إني عبد مخلص لمولاي.»
قال: «أتذكر أن شكوت إليك ارتيابي في الأفشين؟» قال: «نعم يا مولاي.»
قال: «كنت أستعظم ما رأيته من جشعه، ولكنني أصبحت الآن لا أعد طمعه شيئا مذكورا بجانب ما أراه في هذا المعسكر من الدسائس، هل عرفت شيئا من ذلك؟»
قال: «لم أفهم مراد مولاي.» وقد فهمه لكنه تغابى.
قال: «بلغني أن قوما أجمعوا على نقل البيعة إلى العباس بن المأمون أخي ويريدون قتلي.» قال ذلك وعيناه تقدحان شررا من الغيظ.
فرأى ضرغام من الحكمة أن يخفف عنه فقال: «لا أعرف شيئا من ذلك وإن كنت لا أستبعده؛ لأن الخلافة ما برحت من عهد الراشدين مطمح أنظار الطامعين، وهب أن بعضهم تحدثه نفسه بذلك، فإنه صائر إلى الفشل المحقق، وإنما نحن الآن أحوج إلى جمع كلمتنا لنتمكن من أعدائنا المحدقين بنا. فهل أدل مولاي على ما يذهب عنه الغضب؟»
فانبسطت أسرة المعتصم وقال: «ما وراءك؟»
قال: «أتيت أمير المؤمنين برجل خرج إلينا في مساء الأمس من عمورية، وهو يعرف مداخلها ومخارجها. هل أدخله على مولاي؟» قال: «يدخل.»
فنهض ضرغام ونادى حمادا فدخل ووقف وألقى التحية، فلما رآه الخليفة عرفه، فعبس ولكنه أشار إليه بالجلوس، فجلس جاثيا فنظر المعتصم إلى ضرغام وقال: «كأني أرى حمادا العربي بين يدي؟»
Unknown page