خطت خطوة للأمام ولوحت بيدها أمام الحارس الأقرب إليها. كانت عيناه زرقاوين داكنتين كالأحجار الكريمة الدقيقة، ولديه ندبة عريضة في وجنته من الصدغ حتى الفم. خفض بصره ونظر إليها، ثم وضع يده على أذنه وهز رأسه؛ يبدو أنه أصم. ثم أشار إلى مقعد طويل عند الجانب الآخر من البوابة واستأنف وقفته.
لم تشعر إلينورا برغبة في الجلوس؛ فقد كانت شديدة التوتر، ورغم ذلك فقد تتبعت أصبع الحارس نحو المقعد الرخامي واستدارت ملقية نظرة على الحديقة التي أتت عبرها، وهنا لاحظت مجموعة صغيرة من سربها وقد حطت على المستوى الأعلى من النافورة الرئيسة. ها هي أربعة هداهد باللونين الأرجواني والأبيض تراقبها في هذا اليوم العظيم. كان وجودها وحده كافيا كي يعطيها مزيدا من الثقة، وعندما اقتيدت عبر البوابة إلى غرفة مقابلات السلطان كانت تعلم أنها تنتظرها بالخارج.
كانت حوائط غرفة المقابلات مزينة بالجبس المنحوت بالأخضر والأحمر والأزرق، وتضيئها من أعلى حزم من الضوء تسقط من حاجز شبكي يعلوه سقف مزين بألوان الطاووس، وكانت الغرفة تفوح برائحة زهر الليلك. كانت الغرفة أصغر كثيرا مما توقعت، تقريبا بنفس حجم غرفة نومها في منزل البك. وقف صف منظم من الوزراء وموظفيهم بمحاذاة الحائط إلى يمينها، وإلى يسارها جلس جمال الدين باشا الصدر الأعظم في مقعد خشبي ضخم. وفي منتصف الحائط الخلفي على أريكة قرمزية ضخمة اتكأ فخامة السلطان عبد الحميد الثاني. جسمانيا كان السلطان رجلا نحيلا ذا حاجبين داكنين كثيفين وشارب حاد وشفتين كالكرز المزدوج. كان شعورا غريبا رؤيته شخصيا. شعرت إلينورا بالقشعريرة تسري في جسدها، ها هو سلطان الإمبراطورية العثمانية خليفة المسلمين. كان أحد أقوى الرجال في العالم، ولكنه في الوقت نفسه رجل كسائر الرجال.
انحنت على ركبة واحدة كما علمها الرسول، وضغطت جبهتها على الأرض الرخامية الباردة. وعندما وقفت مرة أخرى، ابتسم الصدر الأعظم واعتدل في مقعده. أعاد ضبط شريط عمامته، ثم أخرج مفكرة صغيرة من ثنايا قفطانه. «أيتها الآنسة كوهين، أنت بالطبع تدركين أننا مشغولون بالكثير من الأعمال كل يوم، ولكن رغم ذلك فقد انبهر فخامته بما سمعناه عنك وعن دراساتك وعن قصة حياتك ...» «بالطبع.»
بالكاد سمعت إلينورا ما قاله السلطان، ولكنه عندما تحدث غرقت الغرفة في الصمت. انحنت مرة أخرى وسرت حمرة الخجل في جسدها بأكمله. أخبرت نفسها بأنه يخاطبها، وشعرت بالعرق يتصبب في راحتيها.
بدأ قائلا: «هل تمانعين إذا توجهت إليك ببعض الأسئلة؟ لقد سمعنا عددا من الأمور المذهلة عنك، ولكن يصعب أحيانا التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي.»
قالت إلينورا بصوت أجش: «تفضل، شكرا يا فخامة السلطان.» «هل صحيح أنك تقرئين بخمس لغات؟»
أحصت إلينورا العدد في ذهنها. لم تكن ترغب في معارضة السلطان، ولكن الحقيقة أنها تعرف القراءة بسبع لغات: الرومانية واليونانية واللاتينية والتركية والفرنسية والإنجليزية والعربية. «بعد إذنك يا فخامة السلطان، هذا ليس صحيحا.»
فدون الصدر الأعظم شيئا في مفكرته. «كم لغة تعرفين القراءة بها؟» «سبع لغات يا فخامة السلطان.»
تابع السلطان بابتسامة ماكرة: «وهل صحيح أنك قرأت كل الكتب في مكتبة القائم عليك صديقنا منصف باركوس بك؟» «قرأت الكثير من الكتب في المكتبة يا فخامة السلطان، ولكنني لم أقرأها كلها.»
Unknown page