ورغم مضي قرابة ثلثي قرن على كتابة الخطوط الأولى من «عقم المذهب التاريخي» (1935) فإن استبصاراته الثاقبة لا تزال على بريقها الأول، وما نحسب أنها سوف تفقده في أي زمن يأتي. وتلك هي صفة الفكر الفلسفي الأصيل الذي يضفر الدليل المنطقي القبلي
a Priori
بالشواهد الإمبيريقية البعدية
a Posteriori .
في هذا الكتاب الذي يشبه البيان المحكم الجامع، يطبق بوبر منهجه النقدي في المجال الاجتماعي والسياسي. يقول بوبر إن أولئك الذين يظنون أن تأويل التاريخ كصراع للطبقات (أو كصراع بين الجنس الآري وغير الآري) هو نظرية علمية يرتكبون خطأ أساسيا. فالتأويل التاريخي مهم وملهم، ولكنه ليس نظرية. إنه مصدر خصب لاستخلاص فروض وصياغتها بحيث تكون قابلة للاختبار، وبدون هذه المهمة المنطقية يبقى التأويل تأويلا مهما حشد له التاريخاني من شواهد واستنفر من أدلة. إن عليه أن يقول لنا أي التطورات المستقبلية أو الاكتشافات الجدية عن الماضي من شأنها أن تدحض النظرية. فإن لم يفعل، أو لم يقدر، فإن ادعاءه الوضع العلمي لتنبؤاته يجب ألا يؤخذ مأخذ الجد، فهي تلحق بتأويلات المنجم الذي يدعي وجود قوانين تربط بين موقع النجوم وأحداث الأرض، ويأتي بشواهد لا تحصى دون أن يحدد لنا بشكل مسبق أي حال معين يمكن إن صدق أن يكون مكذبا لأقواله. (2-1) نقده لهيجل
في كتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، يفرد بوبر فصلا طويلا عن هيجل، لعله أقذع الفصول جميعا في تاريخ التراث الجدلي، ويقف هذا الفصل، فيما نرى، نشازا بين فصول المكتبة البوبرية، لست ترى فيه غير سباب وقدح لم نعتد رؤيته في الجدال الفلسفي، وليس يحوي غير تعريض شخصي يلحق بما يسمى «الحجة الشخصية»
Argumentum ad Hominem
وهي المغالطة المنطقية (غير الصورية) التي يقع فيها من يهاجم شخص الخصم (قدراته، دوافعه، أخلاقه ... إلخ) بدلا من حجته، فيبدو كأن حجته قد دمغت! فالحق أنك قد تهاجم شخص الخصم، بحق أو بباطل، فتدميه وتصميه وحجته بعد حية ترزق! إنك إذن تفند شخصه لا حجته، وإن تفنيد شخصه هو أمر «خارج عن الموضوع»
Irrelevant
إذا كان المقام تفنيد حجة.
Unknown page