Thomas Peacock
المعروف بسعة الاطلاع وبروح التهكم، وقد أخذ هكسلي عنه منهجه في الرواية، فلم يكن في يوم من الأيام روائيا بالمعنى الصحيح، إنما هو رجل واسع الاطلاع متهكم من الناس، وله قدرة عظيمة على القصة القصيرة، ولكنه حينما يحاول القصة الطويلة، يتخذ من خياله الروائي وسيلة لبث آرائه.
وهو كاتب متنوع المواهب متنوع الموضوعات، يقول عنه أخوه جوليان
Julian
إنه الرجل الوحيد الذي يحمل معه دائرة المعارف البريطانية، حينما يقوم برحلة طويلة أو يطوف حول العالم، ولكنه - برغم اطلاعه الواسع - لا يقتصر عند حد النظر، بل يتعداه إلى العمل، يستمتع بالفكر كما يستمتع بالحس، فهو كثير الإدمان في القراءة، ولكنه رجل اجتماعي حي، وقل من الناس من يجمع مثله بين هاتين الصفتين.
وفي مجموعة قصصه التي جمعها تحت عنوان «السجن»، وفي روايته «الكروم الأصفر»
Crome Yellow
تتبين قدرته العظيمة على السخرية من المتكبرين والأدعياء، ورواياته مليئة بالصور الإنسانية التي تتميز بالتهكم المرح، وقد خص بسخريته أبناء الطبقة الراقية، فأثار على نفسه سخطهم، ولكنه لم يعبأ بهم ولم يكف عن الضحك منهم، وفي روايته «الكروم الأصفر» يعلن تلك المشكلة الكبرى التي حاول أن يحلها في كل ما كتب، فقد جاءت في هذه الرواية العبارة الآتية:
يدخل الرجل هذه الدنيا ومعه آراء مجهزة عن كل شيء، وله فلسفة يحاول أن يخضع لها الحياة، في حين أنه كان من الواجب أن يحيا المرء أولا، ثم يحاول بعد ذلك أن يلائم بين فلسفته وبين الحياة كما عرفها. إن الحياة والحقائق والأشياء معقدة تعقيدا شديدا، مع أن الآراء - مهما تعسرت - تخدعنا ببساطتها. كل شيء غامض مضطرب في عالم الحياة، وكل شيء واضح في عالم الآراء، فهل من العجب بعد هذا أن يكون الرجل منا بائسا في حياته تعسا؟
ويتبين لنا من هذا أن هكسلي لا يحب أن يتشبث بالمبادئ والأصول وقواعد العلم، وإنما يقيم وزنا كبيرا للمعارف العملية وتجارب الحياة. كان هكسلي من رجال الفكر، وهو يفخر بذلك، ولكنه - برغم هذا - كان قادرا، بل ومتحمسا، على أن يستفيد من الخبرة والتجربة.
Unknown page