145

Calam Tarif

العالم الطريف

Genres

وقال له الرجل الذي لو تقدم الهمجي لكان أول من يهاجم: «خذ قليلا من اللوز المملح بالمغنزيوم» وقدم له ربطة قائلا: «إنها فعلا حسنة جدا.» وابتسم ابتسامة استعطاف عصبية، ثم قال: «وأملاح المغنزيوم تعينك على الاحتفاظ بالشباب.»

وتجاهل الهمجي ما عرض عليه وسأل قائلا: «ماذا تريدون بي؟» متلفتا من وجه عابس إلى آخر: «ماذا تريدون بي؟»

فأجابه مائة صوت مختلطة: «السوط، اعرض علينا كيف تضرب نفسك بالسوط، ودعنا نشاهدك.»

وصاحت شرذمة عند طرف القصف، وقالوا بصوت واحد وبنغمة بطيئة ثقيلة: «نحن، نريد، السوط.»

وأخذ عنهم آخرون هذه الصيحة في الحال، وكرروا هذه العبارة كالببغاوات مرة بعد أخرى، وأخذ صوتهم يضخم تدريجا حتى كان الترديد السابع أو الثامن، لم ينطق أحد بكلمة أخرى غير: «نحن - نريد - السوط».

وكانوا جميعا يصيحون بصوت واحد، وربما ظلوا كذلك ساعات لا نهاية لها، وقد أسكرهم الضجيج والإجماح والإحساس بالتفكير الموسيقي النغم، وعندما كرروا العبارة للمرة الخامسة والعشرين تقريبا كفوا عن الصياح مذعورين، ذلك أن طائرة أخرى وصلت من هجزباك، وحلقت متزنة فوق الجمهور الحاشد، ثم أسقطت في الفضاء بين صف المتفرجين والفنار، على بعد أذرع قليلة من موقف الهمجي، وتلاشى الصياح لحظة وسط زئير اللوالب الهوائية، ولما لمست الطائرة الأرض وأوقفت المحركات، انفجر الجميع مرة أخرى بصوت واحد مرتفع مصرين كما كانوا من قبل، قالوا: «نحن، نريد، السوط».

وفتح باب الطائرة وخرج منها أولا شاب أبيض اللون متورد الوجه، وعقبته شابة في سروال قصير من المخمل، وقميص أبيض وقبعة راكب خيل السباق.

وذعر الهمجي لمرأى الشابة، وانكمش وشحب لونه.

ووقفت الشابة مبتسمة له ابتسامة تردد والتماس بل وذلة، وانقضت بضع ثوان تحركت بعدها شفتاها ونطقت ببضعة ألفاظ، ولكن صوتها تلاشى وسط صياح المتفرجين المتكرر المرتفع. - «نحن، نريد، السوط! نحن، نريد، السوط!»

وضغطت الشابة بكلتا يديها على جانبها الأيسر، وظهرت على وجهها الخوخي اللون، الذي يشبه في جماله جمال الدمى، ملامح غريبة متناقضة تدل على الغم والاهتمام، وكأن عينيها الزرقاوين قد زادتا اتساعا وبريقا، وانحدرت على خديها فجأة دمعتان، وتحدثت مرة أخرى حديثا غير مسموع، ثم مدت ذراعيها نحو الهمجي بحركة سريعة عاطفية، وتقدمت إلى الأمام. - «نحن، نريد، السوط! نحن، نريد ...»

Unknown page