Cala Hamish Sira

Taha Husayn d. 1392 AH
184

Cala Hamish Sira

على هامش السيرة

Genres

قال صفوان: «فأبلغ محمدا أن له عندنا ما يرضي، وأنا سنعينه بما نقدر عليه من أداة للحرب. ومن يدري! لعلنا نعينه بأنفسنا، فهو بعد ملك قريش.» قال الرسول: «بل قل نبي الله.» وأطرق صفوان ونهض الرسول فانصرف راضيا.

قال الحارث: «أباق أنت على ترددك؟ أما أنا فمسلم منذ الآن.» قال صفوان: «ما أدري والله ما أصنع! إن قلبي ليحب هذا الرجل ويؤمن له، وإن نفسي مع ذلك لا تستطيع أن تسلو عن عز قريش.» قال الحارث: «فإني أرى أن عز قريش لم يتبدل، إلا أن يكون ظهور محمد قد زاده قوة وبأسا، ألم ينبئا منذ أظهر دعوته بأننا إن نؤمن له ضمن لنا ملك الدنيا ونعيم الآخرة؟ لقد كذبناه وأعرضنا عنه وسخرنا منه، فلم يرعه ذلك، ولم يفل من عزمه، وإنما مضى أمامه لا يلوي على شيء ولا يحفل بشيء ولا يشفق من شيء، حتى إذا لم يجد عند قومه خيرا ولا في وطنه أملا، هاجر بدعوته إلى حيث يستطيع أن يجهر بها وأن يذيعها آمنا ويذود عنها بالقوة إن تعرضت للخوف. ولست أخفي عليك أني لم أعجب بشيء قط كما أعجبت بهذه الهجرة يفر فيها صاحبها برأيه ليذود عنه ويدعو إليه حرا طليقا لا يخاف شرا ولا يلقى أذى!

هذا الفرار بالحرية، أو هذا الفرار في سبيل الحرية، شيء لم نعرفه من قبل. لقد كنا نفر بأموالنا لنحصنها، وكنا نفر بأمتعتنا لنؤمنها، وكنا نفر بدمائنا لنحقنها، فإذا هذا الرجل وأصحابه يفرون بدينهم لينشروه، ويتركون لنا أموالهم وأمتعتهم ومنافعهم، ثم لا يلبثون أن يبذلوا دماءهم في سبيل ما يدعون إليه. ألا يروعك هذا.»

قال صفوان: «فما بال هذا كله لم يرعك قبل اليوم؟»

قال الحارث: «والله لقد راعني وما زال يروعني؛ وإنما هي الكبرياء. وقد آن أن تنجلي عني غمرتها.»

قال صفوان: «أما أنا فلم تنجل عني غمرة الكبرياء بعد! وانظر؛ إن أمري لعجب حقا! إني لا أستطيع أن أذعن لمحمد، ولا أومن لما جاء به، ولكني مع ذلك لا أستطيع أن أبقى بمكة آمنا وادعا وهو يلقى عدوه من قيس. لأشهدن حربه هذه كما يشهدها أصحابه، ولأنظرن في أمري بعد ذلك.»

ويتيح الله لنبيه الظفر يوم حنين على جموع قيس بعد أن امتحن المسلمون في أنفسهم وقد أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم من الله شيئا، وإذا رسل النبي تصل إلى صفوان في خيمته ومعه الحارث بن هشام قد أسلم وشهد الوقعة مسلما. فإذا دخل الرسل على صفوان قال قائلهم بعد أن حيا وتلطف في التحية: «إن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يرد عليك سلاحك ودروعك وأداتك موفورة، ثم هو يهدي إليك حظا من الغنيمة يمنحك مائة من الإبل، ولا يكره أن يزيدك إن استزدت.»

قال صفوان: «وصلته رحم! فما عرفته إلا رجل خير، وما أرى إلا أن الله قد منحه القدرة على تطهير القلوب من الحقد والبغض، ومن الضغينة والإثم. هلم سيروا معي إليه، فقد آن لغمرة الجهالة أن تنجلي، وآن لصفوان بن أمية أن يؤمن بمحمد وما أنزل عليه من الحق.»

Unknown page