Cala Hamish Sira

Taha Husayn d. 1392 AH
182

Cala Hamish Sira

على هامش السيرة

Genres

وما هي إلا ساعة حتى كان الصديقان مقبلين على شرابهما، والفتاة تغنيهما في صوت عذب نفاذ إلى القلوب، يغمر وجهها إشراق أخاذ للنفوس هذه الأبيات:

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروحا

فأفلح من أمسي رفيق محمد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

قال الحارث بن هشام، بعد أن أخذ من الغناء والشراب بحظ موفور: «ألم يأن لك أن تنبئني عن قصتك، وأن تبين لي عن خطتك، فإني أراك شديد الغموض منذ اليوم، وما عرفتك قط غامضا ولا ملتويا فيما تأتي وما تدع من الأمر!»

قال صفوان: «أتذكر هذا الشعر؟» قال الحارث: «كيف لا أذكره وقد عرفنا به وجه محمد في هجرته، واستيأسنا به من القدرة على رده إلينا، وتعلمنا به أن ستكون لنا معه خطوب! إني لأسمع هذا الشعر الآن كما كنت أسمعه في تلك الليلة حين انطلق به ذلك الصوت الرائع الرهيب يمشي به صاحبه من أسفل مكة إلى أعلاها، والناس يسمعونه ويتبعونه، ويلتمسون مصدره فلا يرون له شخصا، فيستقر في نفوسهم أنه هاتف من الجن. وما أدري الآن أكان هاتفا من الجن أم كان هاتفا من الملائكة، ولكنه كان روحا من هذه الأرواح التي ملأت علينا جونا في هذه الأعوام.»

قال صفوان: «فإني قد كرهت هذا الشعر كرها شديدا، وازداد كرهي له منذ قتل أبي وأخي بأيدي أصحاب محمد، ومنذ ورد الملأ من قريش موارد الموت فيما كان بيننا وبين محمد من حرب. ولقد حاولت الثأر في أحد، ولقد حاولت الثأر بعد أحد. ولقد كنت أظن أني سأجد فيمن قتلنا من أصحاب محمد وبني أبيه شفاء، ولكني لم أجد إلا غلا يزداد تحرقا وتأججا كلما تقدمت الأيام. ولقد التمست السلو عن هذا الغل في الرحلة، والتمسته في الصيد، والتمسته في اللهو، فما ظفرت به وما وجدت إلى شيء منه سبيلا. وأدعو ذات يوم بهذه الفتاة وأطلب إليها الغناء، فتغنيني ما شاءت، وأطرب لصوتها العذب وغنائها الحلو، فأستزيدها فإذا هي تغنيني هذا الشعر، فتذكرني بما كنت أريد أن أنسى، ويكون ذلك حين تبلغنا الأنباء بأن محمدا قد عبأ لحربنا، وفصل من يثرب ليدخلها علينا عنوة بعد أن رددناه عنها كراما، فيملكني الغضب وتستأثر بي الثورة، وآمر بالفتاة كما رأيت أن تحبس في بيت من بيوت هذه الدار، وأن توضع عليها الأغلال، وأن تصبح وتمسي بالسياط تلهب جسمها هذا الرخص الجميل.»

Unknown page