Cala Hamish Sira

Taha Husayn d. 1392 AH
175

Cala Hamish Sira

على هامش السيرة

Genres

قال محمد بن نصر: «وكذلك قلت لنفسي أنا منذ حين، ولكني رأيت من رآه، وسمعت ممن سمع منه. ولقد رأى من رآه رجلا كان خليقا أن يرى، وإن الذين سمعوا منه ليتحدثون من أمره بالأعاجيب. قال له سيده حين أجمعت قريش أمرها: إني أرى شوقك إلى الحرية وكلفك بها، وإسرافك في الجموح، وامتناعك عما لا ينبغي لمثلك أن يمتنع عنه من الطاعة والإذعان لمواليه. وإني أعرض عليك هذه الحرية التي تهواها. فإن شئت فأد ثمنها، وما أظنك تفعل.» قال العبد: «فقد شئت أن أؤدي إليك ثمن هذه الحرية لو أني أستطيع أن أبلغه في جو السماء أو في أقصى الأرض.» قال جبير: «فإنه أدنى إليك من ذلك، إنه في يثرب، فاذهب مع قريش في حربها هذه التي تتجهز لها، ثم عد إلي بمقتل حمزة وأنت بعد ذلك طليق.»

قال العبد: «أما أني ذاهب مع قريش فعائد إليك بمقتل صاحبك أو لاق من دون ذلك الموت؛ فهو أهون علي وآثر عندي من حياة الرقيق.»

ولقد سمع الناس منه حديثه عن ذلك البلاء المنكر الذي أبلاه يوم أحد، وما أرى إلا أنك تعرفه كما أعرفه؛ فقد أخذ يرقب حمزة وهو يقوم من المسلمين مقام الأسد يذود عن أشباله، يهذ الجيش بسيفه هذا،

1

والناس يرونه من بعيد كأنه الجمل الأورق،

2

فتمتلئ قلوبهم لمنظره رعبا وينصرفون عن موقفه انصرافا، وهو يتحداهم ويدعو فرسانهم ومغاويرهم. والعبد قائم قد استتر عنه بشجرة ينظر إليه ويرتقب غفلته، وحمزة لا يراه ولا يحس بمكانه. فلما أمكنته الفرصة هز حربته حتى رضي عنها، ولم يكن له بغير الحربة من السلاح علم. فلما تهيأت له الرمية رمى، وإذا الحربة تصيب حمزة في مقتل فيخر صريعا، والعبد قائم مكانه لا يريم، يرقب أسد الله صريعا بعد أن كان يرقبه جائلا في الميدان. فلما استوثق من أن صريعه قد قضى، أقبل يسعى إليه فانتزع حربته، ثم عاد إلى المعسكر فأقام فيه. لم يصنع قبل مقتل حمزة شيئا، ولم يصنع بعد مقتل حمزة شيئا. وما يعنيه من أمر هذه الحرب بين قريش والأنصار! وإنما أقبل يشتري حريته بمقتل هذا الرجل العظيم، وقد ظفر بما أراد. فانتظر قفول قريش إلى مكة، ولم يشهد ما كان من تمثيل هند وصاحباتها بعم النبي، ولم يشهد ما كان من حزن النبي حين رأى عمه في منظر لم ير

صلى الله عليه وسلم

قط منظرا أوجع له وأثقل عليه منه.

ولم يسمع العبد نذير النبي حين أقسم لئن أظفره الله على قريش ليمثلن منهم بسبعين مثلة لم تعرفها العرب قط. ولم يعلم العبد أن النبي قد رد عن ذلك ردا، وأن الله قد أنزل في ذلك قرآنا، وأن النبي قد تلا قول الله عز وجل:

Unknown page