Cala Hamish Sira

Taha Husayn d. 1392 AH
158

Cala Hamish Sira

على هامش السيرة

Genres

خارج السرادق، فسكت كأنما يريد أن يتبين ما سمع، وإذا قوم يريدون أن يقتحموا باب الأمير والحجاب يذودونهم عن ذلك. فيضرب خالد إحدى يديه بالأخرى ويدخل نفر من المسلمين وقد احتملوا بينهم رجلا جريحا قد أشرف على الموت ولكن فيه رمقا، وهم يقولون: ابن عمك أيها الأمير عكرمة بن أبي جهل. فيغشى وجه خالد حزن لا يلبث أن تطرده ابتسامة حلوة، ويشير إليهم أن قدموا الجريح؛ فإذا وضعوه قريبا منه أقبل عليه فوضع رأسه على فخذه وجعل يمر يده على جبهته إمرارا خفيفا وهو يقول: «أتسمعني يا عكرمة؟» فيشير الجريح بطرفه «أن نعم.» يقول خالد: «زعم ابن حنتمة أننا لا نستشهد، أبشر بالجنة يا عكرمة!» ثم يلتفت إلى الشيخ ويقول: «أما أبوه فقد صرعه الحسد والبغي، وأما هو فقد صرعه الجهاد في ذات الله.» وإذا الشيخ قد وقف رافعا يديه إلى السماء وهو يتلو:

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .

قال خالد: «وقد حفظت من القرآن شيئا أيها الشيخ؟» قال الشيخ: «نعم! حفظت منه شيئا.» قال خالد: «ولكنك لم تنبئني من أنت؟» قال الشيخ وقد استعبر: «لو استطاع هذا الفتى أن يراني لعرف أني نسطاس، ولكنه يرى الآن وجوها خيرا من وجه نسطاس، ويسمع أصواتا أعذب من صوت نسطاس، يرى وجوه الملائكة ويسمعهم يقولون له ولأمثاله الذين يصرعون الآن في ذات الله وهم يفتحون لهم أبواب الجنة:

سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .»

الفصل الثاني

سيد الشهداء

خلا الأمير إلى سماره حين تقدم الليل، وسكنت حركة الأحياء والأشياء، وارتفعت في السماء أضواء الدور في المدينة وأضواء القصور من حولها، وانحدرت إلى الأرض أشعة النجوم رفيقة رقيقة مضطربة. وكان الأمير على غير عادته كئيبا كاسف البال، مؤثرا للصمت معرضا عن أصحابه، لا يكاد يسمع لما يدور حوله من الحديث. فلما سأله في ذلك آثر أصحابه عنده قال الأمير: «ألم تر إلى الناس حين كنا نعشيهم كيف كان إقبالهم على طعامهم فاترا بطيئا، وكيف كان حديثهم فيما بينهم خافتا خفيا، وكيف كان يستأثر بهم ويسيطر عليهم ذهول غريب يجعل حركاتهم آلية لا تصدر عن رأي ولا إرادة، وإنما تصدر عن عادة وغريزة! لقد خيل إلي أن قد فرق بينهم وبين أنفسهم، فكأنما كانت أنفسهم في السماء وأجسامهم في الأرض. ولقد عرفت هؤلاء الناس وعرفوني، ولقد بلوتهم وبلوني، وما أذكر أنهم أخذوني بما لا أحب، وما أذكر أني سرت فيهم بما لا يرضون من سيرة الأمراء.»

قال صاحب الأمير: «فإن الأمير أعزه الله يعلم أن هؤلاء الناس قد شغلوا اليوم عن أنفسهم بآبائهم وأجدادهم، وشغلوا عن يومهم الحاضر وغدهم المقبل بأمسهم القريب.» قال الأمير: «وما ذاك؟» قال صاحبه: «فإن أصحابك قد رفعوا إليك من غير شك قصة هذه القبور التي نبشت، وقصة هذه الآية التي ظهرت.»

قال الأمير: «فإن أصحابي لم يرفعوا إلي من ذلك شيئا، وإنما هو أمر جاء من دمشق، ومضينا في إنفاذه اجتهادا للناس ونصحا لهم وإيثارا لهم بالري والخصب والعافية. وما أعرف أن أحدا منهم أنكر من هذا الأمر شيئا، أو قال فيه بغير ما نقول، أو أشار فيه بغير ما أمر أمير المؤمنين.»

قال صاحب الأمير: «أما والله لولا أن الأمر قد سبق بذلك منذ العام الماضي حين لم تكن واليا على هذه المدينة وحين كان أمرها إلى من لا نحب أن نتحدث إليه أو نشير عليه، لقد كان لنا في ذلك رأي غير ما رأى، ولقد كنا خليقين أن نشير على أمير المؤمنين بغير ما تقدم به في أمر هذه القبور. إنها قبور الشهداء؛ إنها قبور الذين صرعوا في الله يوم أحد؛ وإن كثرتهم لمن الأنصار. وقد أراد الله أن يدفنوا حيث صرعوا. وقد أنبئنا أن جماعة من الأنصار هموا بنقل موتاهم إلى المدينة ليدفنوا فيها، فكره رسول الله

Unknown page