تعرفت آيريس على أصواتهم؛ إذ بعد مضي بعض الوقت قالت لهير: «ذلك صوت البروفيسور، أليس كذلك؟ أتمنى أن تخبره أني أرغب في قسط من النوم، لكني لا أستطيع بسبب الصخب الذي يحدثه، ثم اذكر بين طيات حديثك شيئا عن كونه مصدر إزعاج عام، هلا فعلت؟ سيكون ممتنا لك؛ فهذا ما نعتني به.»
كانت كلماتها مرحة على نحو غير متوقع، فتطلع إليها هير متفاجئا. لم يدر إذا ما كان يتخيل تلك التغيرات، لكن عينيها صارت أقل إجهادا، وزال عن وجهها الاحتقان الشديد نتيجة الحمى.
قال في نفسه بغضب جم: «لقد أعطاني الطبيب دواء مزيفا؛ فهي لا تهدأ، بل تزداد نشاطا؛ بذلك المعدل ستتأجج غضبا في ترييستي.»
في واقع الأمر، أعاق جهلهما بظروف عمل الدواء مؤامرتهما الصغيرة؛ ففي المرات النادرة التي مرضت فيها آيريس، كانت استجابتها للعلاج تكاد تكون فورية، وفي حالتها غير العادية تلك كسرت رقمها القياسي الشخصي؛ فمع أن تأثيراته يفترض أن تكون قصيرة المدى، شعرت آيريس أن الحساء رد إليها حيويتها بأعجوبة، فيما كان الدواء قد بدأ يهدئ عاصفة ذهنها، مثل طبقة من الزيت تنتشر فوق سطح بحر هائج.
شعرت بفورة من العافية المزيفة، تلتها دفقة من الثقة وهي تتسلق إلى خارج جحيم الخونة الذي ألقت بنفسها فيه.
قالت في نفسها: «القضايا الخاسرة هي القضايا الوحيدة التي تستحق الجهاد من أجلها.»
شعرت براحة لاستعادتها عافيتها، فابتسمت لهير الذي ابتسم لها بدوره.
وسألها: «ألم أخبرك أنك ستتحسنين بعد احتساء ذلك الحساء المغذي قوي المفعول؟»
أجابته: «كان مذاقه كحساء المومياوات، لكنه رد إلي حيويتي؛ فذهني صار أصفى. أدرك الآن أن البروفيسور كان محقا؛ فقد جعلت من نفسي أضحوكة.»
منح هير نقطة لصالح الدواء.
Unknown page